الثلاثاء، 10 نوفمبر 2015

رئيس الجمهورية وطلب التحلل لحكومته
أعترف في البدء أنني لم أتابع هذا الخطاب العجيب لرئيس الجمهورية , وهو يقف أمام الناس وينادي فيهم بأعلى صوته : إننا لا نريد أن نأتي يوم القيامة ويقول الناس أمام الله عز وجل أن هؤلاء ظلمونا أو أن البشير وحكومته قد عملوا على تعذيبنا وإهانتنا وذلنا إلى غير ذلك من الشكوى .. إننا نريد أن يأتي الناس يوم القيامة ويقولوا لله عز وجل أن البشير وحكومته عملوا على إنصافنا وأعطاءنا حقوقنا ونشروا السعادة بيننا فاجزهم خيرا .. هذه الجزئية من الكلمات هي لمخاطبة البشير لحشد من الناس في 2013م , وقد نشرها أديب وصحفي مرموق على صفحته في الفيسبوك , وقد كانت مخرجة بصورة ساخرة فبعد , ان تكلم الرئيس بهذه الكلمات تم إيراد أغنية تعبر عن الشكوى لله , وبعد أن تتواصل الكلمة في تزكية الحكم الرشيد , ينفجر رضيع بالضحك حتى يستلقى على قفاه .. إنها صورة كوميدية مضحكة حد البكاء .
إن الرئيس وبعد أن أعلن فيما سبق أنه القائد إلى الجنة والنعيم المقيم , نجده في هذه الكلمات وكأنه يبحث عن التحلل في الدنيا قبل الآخرة , بما ارتكبته حكومته من جرم في حق الناس .
التحية والتقدير للشيخ الدكتور عبدالحي يوسف والذي نفى أن يكون هناك ما يسمى بالتحلل بعد أن يخوض المسؤول في أموال الناس بالباطل .. انتهى كلامه .
إن التحلل إنما هو أن ترد الحقوق لأهلها في الدنيا قبل أن تصل الروح الحلقوم , والذي بينك وبين الناس إنما يكون في العرض والمال والدم . 
ومرة أخرى : 
( إحنا عايزين يا جماعة والله نتمنى أنه يوم القيامة ما يجي واحد قدام ربنا سبحانه وتعالى يشكو عمر البشير وحكومته .. "الشكوى ليك يا ربي" عايزين الناس يجوا يقولوا الناس ديل ما قصروا وأدونا حقنا وكل شئ تمام ) .. هنا يا سيادة الرئيس لماذا ننتظرحتى يوم القيامة , هل لأن الدستور يجعل لك الحق في أن تواصل رئاسة البلاد حتى يوم القيامة ؟! لعل إحساسكم بالخلود وأن لا أحد ينازعكم في الأمر , يجعلكم تذهبون لمثل هذا الكلام . ألا تصل إليك التقارير أيها الرئيس معبأة بشكايات الناس , ألا تصلك النكات والطرائف الساخرة المعبرة عن الظلم والفساد , أم أنكم تظنون دائما أنكم ملائكة أطهار وبقية الشعب شياطين وعفاريت مردة ..
لقد وصلتك يا سيادة الرئيس التقارير والدراسات والقياسات , وأعلنتم أن نسبة الفقر قد بلغت قرابة الخمسون بالمئة . أتعرف ما يسببه الفقر للفرد من الذل والإنكسار وما يبلسه من الخوف والجوع والمرض . فهل أصحاب هذه النسبة سوف ياتون يوم القيامة ليشكروك أمام الله ويشكروا حكومتك ويعلنون أنك كنت بهم رحيما رقيقا ناعما ورؤوفا .. أأعطيتهم حقهم وأسعدتهم وأسقيت العطاش منهم الماء النظيف وأطعمت جائهم , وكسوت عاريهم .. ألم تقرأ يا عمر ما قاله أمير المؤمنين رضي الله عنه : ( لو أن شاة عثرت في العراق لسألني الله عنها ) , فكيف بخمسين بالمئة وقد سقطوا في مستنقع الفقر الآسن والجوع والمرض والعري والظمأ . يا الله للغيبوبة , هل يكتب الرئيس كلماته بنفسه أم أن هناك كُتاب لهم حسن جميل ينقلون إليك ما يجري في البلد حولك ويعرفونك بواقع الناس في الأسواق والحارات والمناطق النائية والذين لا يملكون شيئا , وهم كثر أعدادهم تصل إلى ما يقرب الخمسة عشر مليونا من الأنفس . 
فيا أيها البرئ من كل اتهام , ومن كل قول لا يليق بحكومتك , ألا تصل إليك تقارير الفساد وأكل الأموال بالباطل . لقد سمعت أو قرأت ما طال الوالي من اتهام حتى أعلن تحلله , مثل هذا العمل الكريه ألا يمس حكومتك الرشيدة ؟! ألم يصلك أي خبر فيما سبق وحتى الآن عن قصص هؤلاء المفسدين وظلمهم السئ في أموال الدولة ؟! لماذا لم تخرج علينا خلال ربع قرن من الزمان لتقيل الفاسد وتفضح الظالم , أم أن أهل البيت أولى بالستر والدفاع عنهم ؟! أليس لديكم أي وعي بذلك القول الطاهر من النبي العظيم صل الله عليه وسلم : (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت .... الخ) . أمثال هذه القصص والتي تنظرون إليها بأنها مقرضة , ألا تدفعك للخوف أن بأتي الناس يوم القيامة ويعلنون أمام الله عز وجل , العليم الخبير , أن التحلل كان مصطلحا معروفا وواضحا أمام الناس في خلال حكم البشير . 
وفي دار فور المحطمة , يتهمك المغرضون وأصحاب النفوس السقيمة بأنك تسببت وحكومتك الرشيدة في إزهاق أرواح ما يقارب الثلاثمائة ألف نفس , حتى أن بعض وزراءك جاء لينفي هذه الأعداد المغرضة ويقول أنها عشرة آلاف من الأنفس فقط لقوا حتفهم في حرب دار فور التي تسببتم فيها . ألا يزعجك سيادة الرئيس هذا العدد من القتلى , ولم نسمع كلمة لوم أو عتاب أو حتى إقالة وزير أو أي والي من طرفكم في دارفور , وكأن كل شئ حدث في دارفور هو بسبب أبناءها أنفسهم وهم الذين سعوا محاربتكم والخروج عن طوعكم ..
إن قضية دار فور وحدها كافية أن تجعل الموقف قاس وصعب عليكم أمام الله يوم القيامة .. ثم إذا انطلقنا إلى جنوب كردفان فإن الوضع ينذر بلعنة الله عز وجل لمن ارتكب فيه من المآس والجرائم والقتل والتشريد , ولك أن تسأل أيها الرئيس الخالي من الظلم وحكومتك الخالية من الفساد , كم بلغ عدد الجماعات الحاملة للسلاح ؟ إنكم من خلال مؤتمر الحوار ذكرتم أن عدد الفصائل المسلحة المشاركة في الحوار قد بلغت إحدى وثلاثين فصيلا مسلحا . ألم تسألوا أنفسكم كيف تناسلت هذه الجماعات , ما الذي دفعهم للتمرد ؟! هل كنا قبلكم نسمع نعرف مثل , فهل هؤلاء جميعا أهل خطأ وتمرد , وحكومتكم الرشيدة هي البراءة والنقاء . 
وكم من أرواح الناشطين الشباب أزهقت في رابعة النهار بعاصمتك , ولم يعرف لهم قاتلا , ولا سبب وجيه لقتلهم , ألا تخشى سيادة الرئيس أن يأتوا يوما القيامة يمسكون بتلابيبك يسألونك حقهم في الحياة الذي سلب منهم بدون وجه حق على مرأى ومسمع منك وحكومتك , ويسألونك عن عذابات أهليهم بسبب فقدهم . 
والسجون والمعتقلات , فتلك فصول أخرى من الظلم والفساد , فكم من معتقل عُذب ومنهم من سُلب حق الحياة تحت العذيب , ومنهم اختفى ولم يوجد له أثر , غير تلفيق التهم بكل رفع صوته بكلمة حق .. إنها مآسٍ ومظالم خطت أسوأ الذكريات في النفوس , فهل تعتقد سيادة الرئيس أن يأتي هؤلاء يوم القيامة مهللين مستبشرين شاكرين لك حسن صنيعك وحكومتك بهم ؟ّ أم قد أحل لكم الله عز وجل استعباد الناس بعد أن خلقهم أحرارا ؟!
إن الإعتراف بالخطأ وطلب العفو هو أولى الخطوات نحو التسامح لنسير جميعا نحو غد جديد . إن طريقة أن يكون الحكم هو الرشيد وبقية الخلق في الخطأ والتمرد والظلم فهذا لن يجعلنا أن نصل إلى حوار شفاف أو أي اجتماع يوحد الناس ويجعل في قلوبهم الرضا عن رئيسهم وحكومتهم . 
إن الأمر يوم القيامة أمام الله عز وجل ليس بالسهل الهين , أيها الرئيس كما تظن . إن الأمر صعب وقاس وشديد , وأنني لا أجد شيئا أختم به هذه الرسالة إليك أيها الرئيس سوى أبيات الواعظ أبي عثمان الواسطي .
مثل وقوفك  أيها  المغرور*** يوم القيامة والسماء  تمور
ماذا تقول إذا نقلت إلى البلى***فردا وجاءك منكر ونكير؟
ماذا تقول إذا وقفت بموقفٍ***فردا ذليلا والحساب عسير
وتعلقت فيك الخصوم وأنت في يوم الحساب مسلسل مجرور
وتفرقت عنك الجنود وأنت في ضيق القبور موسد   مقبور
وددت  أنك ما  وليت ولاية*** يوما ولا  قال  الأنام  أمير 
مهد  لنفسك  حجة  تنجو بها***يوم المعاد يوم تبدو  العور


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق