الأربعاء، 30 أبريل 2014

يحضرني رسم كاريكاتوري للفنان المبدع هاشم كاروري : برلماني نائم جاءت زوجته لتوقظه فموعد البرلمان قد حان ,فما كان منه إلا أن قال لها : (يا ولية أنا مرشحني ناس ضاربين الخلا العارفني نايم ولا صاحي منو !)
 التحية والإجلال لمجلس النّوام , و أنت تستمع إلى أحد الأعضاء التقدمين الأحرار فالتقدم يعني من يتقدم خطوة و يرجع إلى الوراء ثلاث خطوات , و هذا التقدمي يقول أنا نائب حر , وأنا حر في نومي داخل المجلس أو خارجة , من له السطوة علي حتى يمنع عني نومي .
و أنا حر لأني أؤيد الرئيس في كل قراراته والذين يحاولون أن يوقعوا بيني وبين الرئيس حتى تكون قطيعة , أسألهم أين ذممكم ؟ و هل تعرفون أنه هناك موقف حساب ؟ .. ماذا فعل الرئيس حتى أناكفه أو أعمل ضد قراراته , إن جميع ما أتى به الرئيس حكيم وعادل وطبيعي وخالي من شحوم لحوم الديناصورات , أن الرجل صاحب كفاءة لأول مرة في تاريخ السودان يكون لنا رئيس يجلس في السلطة ربع قرن من الزمان , إن الخبرة في مجال الحكم تجعلني وأنا مغمض العينين أؤيد الرئيس .
و أنا أكره مجلس النّوام الذي تكون فيه أصوات معارضة .. ما معنى المعارضة عندكم , إن كل شيء يسير عندنا على ما يرام ونحن أهل صراط مستقيم , لا تقفون في طريق الرئيس وتعارضونه ماذا فعل لكم وماذا فعل بكم غير كل جميل ورصين وطيب ..
كان السودان دولة في مساحة قارة جزاه الله خيراً عمل على تقليصها حتى يصبح كل سوداني سعيدٌ في ما تبقى من وطن ولماذا أعارضه وهو الذي عمل على تغيب الأحزاب وكون أكبر حزب في السودان حزب المؤتمر الوطني .. فأن كنت وطني بحق إنضم إلى الحزب الوطني , وإلا فابحث لك عن وطن أخر يؤويك ..
ثم عودة أخرى لحكاية أنكم انتخبتموني و رشحتموني ؟! هل تم ذلك الترشح حتى أتخلي عن ضميري وأعمل لأجلكم , نحن على دين رئيسنا الحر هذا الأبي المتواضع والذي نحن تحت سطوته وسلطته .. ولماذا تريدون مني أن أعمل لأجلكم , أين ضميري وأين خياراتي و تطلعاتي كعضوٍ في هذا المجلس ؟ إن الرئيس الحالي هو رئيس إلى الأبد ونحن معه في النصب والضم والكسر " وكلها لله " ..
ثم إن الذين ينتقدون هذا المجلس التوافقي عليهم أن ينظروا إلى حال الوزراء عندنا إنهم جميعاً أمناء وأصحاب خلقٍ قويم وسير ناصعة البياض لا تشوبها شائبة .. هل نمى إلى مسامعكم يوماً أننا في هذا البرلمان قمنا بإحالة أوراق أي وزير إلى القضاء ثم نال جزاءه ؟ إنهم جميعاً أصحاب سيرٍ عطرة .. إن الوزراء عندنا رساليون ربانيون يخافون ربهم , فبالله عليكم أوقفوا هذه الاتهامات الموجهة جزافاً , تخون أعضاء المجلس أو تخون وزراء حكومتنا الرشيدة والبعيدة عن كل شائبة ومنقصة .
أما بخصوص الذين يتهمون عضو البرلمان بالنوم أثناء الجلسات فهذه تهيؤات من يحسدون الأثرياء ويغتاظون مما لديهم ومعهم .. فمن يحيا في الأجواء المهيأة الدسمة أنت تراه وكأنه مغمض العينين , لا أحد فينا ينام ولكن أثر النعمة و نظرة النعيم , خسئ من يتهم البرلماني بالنوم وإن نام فمن يسهر على رعاية هذه البلدة الغافل أهلها عما يحاك ضدهم ؟!
و الذين يتهمون العضو بالسعي وراء مصالحة الشخصية أيضاً هم قد دلفوا إلى الخطأ والخطأ الفادح لأن عضو البرلمان إنما جاء من بيئة غنية عن كل شيء فهو إما تاجر استطاع أن يصرف على حملته حتى يصل أو برفسور له من الأموال ما يجعله في غناً عن الاتهام بأموال الشعب .
أما عن الحصانة فما بالك بأعضاءٍ خلفيتهم أنهم رساليون وربانيون والله يدافع عنهم , فنحن أعضاء في حماية الله دائماً لا نسعى لحصانة يمنعها برلمان أو تمنحها لنا وزارة , هذا اتهام باطل .
هل سمعتم بوزير أو وكيل وزارة أو برلماني تم ضبطه في عمل مخل بالآداب أو الشرف ؟ لن تجدوا لأن الحصانة الممنوحة تحميه داخل البرلمان أو خارجه .. وبالله عليكم لا تطلقوا أمثال هذه الترهات والضلالات تريدون أن تضعوا حاجزاً بيننا وبين الشعب ولا تعملوا بمبدأ : من لا تلحقه ارمه بالحجارة .
وعودة الى كاريكاتور كاروري : 
كاروري لم يحالفه التوفيق فنحن لا نغيب وإن تغيبنا فلمصالح الشعب , ومن بزور المجلس يرى العدد الضخم من اللجان , لجنة الزراعة ولجنة الهندسة ولجنة الثقافة ولجنة النظافة ولجنة اللجان ..كلها تحتاج الى العمل الميداني ولا يغرنكم عدم وجود نتائج ملموسة ,فنحن في عمل دؤوب ..


 http://www.alnilin.com/news-action-show-id-94605.htm

الاثنين، 28 أبريل 2014


خطابات الرئيس والانفصال عن الواقع

"كان للخطابة في الماضي شأن عظيم فقد ثلت عروشا ودكت دعائم ممالك ونصرت أقواما وأذلت آخرين , وقبرت دعوات وبعثت أخرى .. وفي ظني أن الخطابة تبلغ شأوها إبان الأحداث السياسية الكبرى مثل تأسيس الممالك وتوحيد الأقطار , والصدق أن الخطابة أقوى أداة من أدوات النضال السياسي والوطني , لهذا يرى كثير من المختصين أن لا مندوحة للزعيم ,من قوة الشخصية وقوة الحجة وسلاسة اللغة والإلمام بنفسية الجماعات التي يخطب فيها لبلوغ مكان الإقناع من نفوسهم " ما تقدم من الكلم هو اقتباس من مقدمة الدكتور عبد الله العسكر لكتاب يصب في موضوع الخطابة السياسية اختار جامعوه (هرفيه بروكيه – وكاترين لانو – وسيمون بيترمان ) عنوانا جامعا و أسموه : 100 خطاب دمغت القرن العشرين , وقد اختاروا مئة خطيب من دول العالم كافة وكيف أثرت خطاباتهم في شعوبهم وفي مجمل سياسات دولهم .
وهذا ما لم يفطن له معظم خطبائنا , ولم يدركوا أن خطابهم يجب أن يكون شرفا للكلم وميثاقا للوعد وعزم على العمل , وأن يكون فئويا ملائما للمتطلبات الجمهور أو على أقل تقدير أن يبقى على مستوى لغوي عام حتى لا يخسر أصوات داعمة محتملة .
وكمثال لا حصر .. سوف أتطرق لخطابات الرئيس في السودان : فخطابات الرئيس أو مخاطباته توحي أن القيادة منفصلة عن الواقع بدرجة مؤلمة , ومن جهة أخرى انفعال الناس بما يقوله أعلى هرم في السلطة يوحي كذلك بأن هنالك انفصال تام بين أطياف الشعب وحكومته , وهذه مأساة أخرى تولدت نتيجة تراكمات من الفشل والاحباطات والخراب الذي جرى على كافة أوجه الحياة , وما طغى على السلطة من خطاب يذكر شيئا والفعل شيئا مختلف . هذا بالرغم من أن الأمر مع البشير أصبح وكأنه دعاية انتخابية مسبقة لسباق الرئاسة العام القادم .. فكل ما أراد أن يقدم خطابا تجد ماكينة الإعلام - والذي كله رسمي – تعمل على أن للرجل خطابا قادما فانتظروه , وتقدم أن الرئيس سيقدم رؤيته الثاقبة لكل الأوضاع ..ثم يأتي الخطاب ويتكلم الرئيس عن أنه لا إقصاء لأحد , فتأتي الأخبار عبر شاشات التلفزة عن هجمات شرسة للحكومة في دار فور , وتنقل عن يوناميد قولها بنزوح الآلاف ويتزامن خبر آخر مفجع مع خطاب الرئيس عن حرق قرى ونهبها من قبل القوات الحكومية . وعن إطلاق الحريات يدعو الرئيس لبناء الثقة وإلقاء كافة القوانين المقيدة للحريات  . وعلى الصعيد العملي تجد أن الحكومة أوقفت جريدة الميدان وتبعتها جرائد أخر . ويصدر الرئيس بقرار جمهوري قانون تنظيم النشاط الحزبي فيكون بمثابة فصل الاجهزة عن مولود الحوار الخديج .
والكل يرى أن الثراء كله في جانب أبناء السلطة والصامتين عما فعلته وما خربته في كل المجالات , وبعد ما ترسخت إمكانات جميع هؤلاء تأتي السلطة لمناقشة الثراء الحرام , الحرام ليس في الثراء فحسب إنما الحرام صار أوكسجين الحياة المتداول في مجالات لا تحصى !
ويخاطب الرئيس الاجتماع المغلق وينادي المنفصلين عن الواقع معه ,من وزراء وبرلمانيين , بتحسين الأداء الحكومي والذي لم يعد موجودا في الأصل . وينادي أن اعملوا على تنفيذ سياسات التفعيل وفق الإمكانات المتاحة , وهو يعلم أنها صارت في خبر كان . ثم يتحدث عن توزيع السلطة والثروة , فالثروة لن نقف عندها طويلا , فهل الدعم القطري سيعمل على إنعاش الثروة من جديد ؟ وهل سيبقى للمواطن الكادح شئ بعد أن ينال كل من الشيخين – الصادق والترابي – نصيبه؟!
إن الحديث عن توزيع الثروة يراه السواد الأعظم من الشعب شأن داخلي , كشيخ أحس بدنو أجله فوصى بتوزيع ثروته بين أولاده وبناته وبعض العصبة من المقربين والأقارب ! 
وفي بعض الخطابات يتحدث الرئيس عن الكتاب الابيض  وما أدراك ما الخطاب الأبيض ..هل هو طعن خفي في أولئك الذين وضعوا الكتاب الأسود والذي أهم بنوده :النعي المؤلم على من جعلوا السودان تتداول السلطة فيه فقط بين الشماليين . يا للعجب ..كتاب أبيض يدعو إليه من وضع آلاف الكتب السوداء ؟! الكتاب الأسود لم يحقق لأصحابه شيئا , والكتاب الأخضر ألقى بصاحبه في التهلكة وأنهى أيامه بمأساة وتراجيديا تاريخية .. وبالطبع فإن مستشاري الزعيم المناضل سيجعلون من تأليف الكتاب مناسبة لإقامة عظمة الرئيس وسمو أفكاره , وجماليات نظرياته القويمة والمستقيمة !
والى هنا نكتفي فإن واصلنا لن نقف فالأوجاع والآلام الضاربة في الأرواح عميقة , والشقة بين الحاكم والمحكوم بعيدة ..والخطاب السياسي لا يشكل حدثا أكبر في حياة الناس وغير قادر على :( تفنيد الأحلام وإعطاء الأمل والتأثير في القلوب والنفوس وتقديم رؤيا لمستقبل أفضل للجماهير)(ماك آرثر).
http://www.raialyoum.com/?p=80757
http://www.hurriyatsudan.com/?p=150791

الجمعة، 25 أبريل 2014


سيدي الرئيس
سيدي الرئيس – وأعتذر لوطني حين أقول سيدي الرئيس ..وأعتذر إلى أهلي حين أقول سيدي الرئيس .. وأعتذر إلى نفسي كذلك – ماذا قدمت للوطن طوال جلوسك على الكرسي الرئاسة ربع قرن من الزمان .. شياطينك بالطبع يفرحون ويسعدون ويثرثرون بأنهم دافعوا عنك لزمن طويل .. و أحسبك وغيري أنك بينك وبين نفسك يخامرك إحساس القوي بأنك سدت الناس لزمن امتد بعيدا ولم يستطيع أحدٌ أن ينازعك الأمر .. وكل من نازعوك أهلكتهم .. ولكن هذا الإحساس لا معنى له فالأمر خطير وكبير .. إنك الآن على كومة وطن .. خربتموه وفصلتموه ودمرتموه ورحلتم  أهله .. وأبدلتموهم أحباشا وجنسيات أخرى , وليس الأمر بشأنهم إنك رجل الرحمة الذي يرحم المهاجرين ويواخي بين أهل البلد وغيرهم ولكنها سياسة شياطينك أن يغيروا الصورة الاجتماعية السمحة .. إنهم نشروا سياسات اليهود وعملوا بها ..( فرق تسد .. وأبطش و أبطش ..وأكذب حتى يصدقك الناس ) ...
سيدي الرئيس : هل أخبروك أنك حاكم لمدينة قذرة , مليئة بالقمامة , وذات مجاري مفتوحة ومتخمرة , وذات أسواق بائسة قبيحة المنظر , متربة ومغبرة , حالكة الوجه .. بالطبع هم يعملون على أن تصلك صور شارع النيل , وما هو أقرب للقصر , يوجهون السائقين أن يعبروا بك شوارع نظيفة لا ترى فيها القمامة ولا تنظر فيها القاذورات ...
سيدي الرئيس عمر : هل تفقدت مدينتك ليلا أو نهارا .. هل تخفيت سرا وزرت سوق اللفة , وهل زرت سوق بحري , وهل زرت وسط أم درمان , والشوارع الخلفية حيث الذباب والصراصير والهوام والقطط الميتة والجرذان .. هل وهل وهل .. زرت حواري الخرطوم ؟! أم إنك تكتفي بمشاهدة ما تبثه ماكينة الإعلام المضلل عن الخرطوم الجميلة , والبنات ذوات الوجوه البيضاء في قناة الشروق وقناة النيل الأزرق وأم درمان والخرطوم وقون وغيرها ..هذه القنوات لا تمثل الغبش .. تعال معنا لتزور عماتنا وخالاتنا في الحواري المنزوية , لتعلم مدى الفقر المدقع المستشري في ضواحي الخرطوم .. الله أكبر ..الأمر ليس بالسهل يا عمر .. نام تحت الشجرة وحكم فعدل ..أنت هل أنت مقتنع ؟!
سيدي الرئيس : الطريق إلى قريتك معبد ومعتنى به أن تكون به الحفر أو المطبات , وقبالة قريتك عمل شياطين الأمن أن تكون هناك نقطة تفتيش , بينما المنطقة قبلك لا شيء فيها ولا تحتاج لأمن أبدا صحراء قاحلة وقرية منسية بعيدة .. وطريق مدني وطريق كوستي استحقا اسم طرق الموت لكثرة الأرواح التي حصدتها حفرها ومطباتها وضيقها ...
أما بخصوص الحياة المدنية في بلادنا فهل تعطينا إحصائية لحفظة كتاب الله والحافظات ..وعدد المساجد النظيفة المضاءة ذات حلقات الدرس .. لقد قام مسجد والدك العارف بالله حسن أحمد البشير ..إننا نحترم كل أب وكل أم وننزله منزلته من الإجلال والتقدير .. فماذا فعلتم بواقع الآباء في السودان .. ما هو واقع احترام الكبير في بلادنا الآن .. وما هو التقدير الذي نكنه لرموزنا الأحياء منهم والأموات ؟!
سيدي الرئيس : أين نحن من كتاب رواد الفكر السوداني , لماذا لم نسمع لهم ذكرا في خطاباتك , هل أوحيت لشعبك أن يقدر الرموز .. أم لا هم لكم غير التواجد والاستمرارية  , ولا هم للشياطين غير جمع الغنائم .. أن معركة الحكم المستمرة في بلادنا منذ ربع قرن من الزمان , هو أن تكون أنت ظاهرا جليا وغيرك مهمش , والشعب منسي , والأحزاب تافهة والآخر مجرم ومتربص وغير وطني ...
إن الأمر خطير ..ثم أن البطانة السيئة يعملون منذ ربع قرن من الزمان على جمع الغنائم والمعركة متواصلة ..
إننا ولربع قرن نحس أننا في حكم سري وليس عسكري .. حكم يديره شياطين .. الويل لهم من رب العالمين ...
الأمر خطير وكبير ..انكم تنتقدون الآخر بما فعله من تحريض ودمار وهلاك .. وأنتم في كل خطاب لا تخرجون عن هذه الدائرة الشيطانية .. وقفت في كسلا قبل أيام ,في جمع من الغبش المغبرين , الذين لا يعرفون أي تنمية أو مشروع يلم شعثهم ويفرحهم ولو بالقليل من الأرباح .. إنها لمأساة وأنت تقول لهم عن الآخر إذا جاءكم فاضربوه .. لماذا يتناقض القول في كل مرة ..ففي الجموع المغلقة من برلمان ورئاسة وزراء قول وتبشير بالحوار والديمقراطية , ثم في الملأ في القرى والأرياف والمناطق المهمشة والمهشمة , تنادي فيهم بغير ما كان في الاجتماعات المغلقة ..
سيدي الرئيس : أنت تابع لجماعة سرية , تفعل بنا ما تفعل .. والكل يعلم سر تشبثكم بالكرسي , هو أنك لا تستطيع , فإذا رفضت إدارة هذا البنك وهذه الغنائم فلن يتركوك وشأنك!
الأمر خطير وعظيم ..إنك تسببت فيما جرى في دار فور وجنوب كردفان والنيل الأزرق .. وأعلم سيادة الرئيس أن كل من قبر خلال ربع قرن فلكم كفل من أسباب إزهاق روحه .. وكل من افتقر .. وكل من لم يستطيع أكمال تعليمه لظروف أسرته أو لتهجيره , وهجر العلم .. وكل من لم يستطع أن يؤمن قيمة الدواء ومات يذلك ..كل أولئك في عنقكم  كفل من الأسباب التي أودت بهم للشقاء ..
سيدي الرئيس : اتق الله فينا واعتزل .. واذهب الى مكة أو المدينة ..عسى الله أن يغفر لك ما اقترفته .. من قبل أن تجد نفسك ولا قدرة لك حتى على الاستغفار ...
إن كنت بحق تريد أن يحفظ لك التاريخ أن وقفت وقفة شجاعة مع نفسك وانتبهت لما يحاك بواسطتك لبلد انتهى .. وقفة شجاعة تفعلها وتطلب من الناس في السودان أن يغفروا لك ويسألوا الله لك المغفرة .. أن تخرج للناس وتعتذر لهم عن كل ما اقترفته وفعلته مجموعتك بهذا البلد .. وإنك مستقيل وستشرف على انتخابات حرة نزيهة .. وليختار الناس من يختاروه ..
وساعتها سنعمل على دعمك .. ونقف إلى جوارك كمرشد لأهل السودان ..
لكن القلب لا يطاوع ..وأعتذر لوطني وأهلي ونفسي وأنا أقول سيدي الرئيس .. وهل يصلح العطار ما أفسده الدهر ..فأنتم من صنعتم المجموعات المقاتلة والمجموعات المتمردة ..ويا ويلنا وقد اختلط الأمر .. فأنتم في ساعة الصفر لن تعرفوا وطنا أو بشرا .. إلى آخر لحظة ستهربون إلى الغنائم .. يا ويلنا ثم يا ويلنا من يوم أنتم فيه .. ومن غد أنتم لستم فيه !
سيدي  الرئيس : أوقف هذه العنتريات في القول وأجلس إلى كل من صالحوك , وكل من يحاولون إنقاذك يا صاحب الإنقاذ , فإن الطوفان القادم الذي سيجري بعدكم لطوفان عارم وسيئ ومهلك , اجلس الى نفسك جلسة صدق , وراجع كل ما فعلته دون تزيين من أحد . نعلم أنك محتاج الى حفظ ماء الوجه , ولا تريد أن تبدو في موقف المنهزم , لذا كل ما جئت بحوار داخلي مع من صالحوك فأنت تتحدث بلغة التفاهم والحوار .. ثم تخرج إلى الغُبش وتناديهم بأنك عنتر زمانه وأنت من نظر الأعمى إلى أدبك , وانك من سيعيد للسودان مجده , وأنك المعلم الأول الذي سيعطي الدروس لكل متمرد وكل خارج على النظام وكل من حمل السلاح ..
ونسيت أنك من صنع التمرد وصنع الخروج وسوق لحمل السلاح .. إن المتمردين في السابق كانوا يتمردون وهم أبناء مناطق بعيدة ومهمشة ولكن الآن في عهدكم من حمل السلاح خرج من القصر أو مجلس الوزراء .. أو كان معكم في منظمة خيرية أو شيطانية ثم حملوا السلاح وكأن داخل هذه المباني مستشارون شيطانيون يعطون الدروس في معاني التمرد والانشقاق ( إنني الآن أفكر في تأليف كتابي الأول في المنشقين ومن كونوا جماعات مسلحة ) .
اعتزل سيدي الرئيس وأعلن استقالتك على الملأ الآن , فأنت وجميع الإصلاحيين المنشقين منك لا فائدة منكم ولا رجاء .. ومن صالحوك من أحزاب الكرتون *أقصد الترابي والصادق* هم أيضاً لا نفع منهم للسودان .. اجلسوا وصالحوا بحق أهل التهميش في أطراف السودان وفي العاصمة قبل أن يأتي يوماً لا مرد له من الله ...
اللهم قد بلغت اللهم فاشهد ...


الأحد، 20 أبريل 2014

          المعادلة السياسية : 
عسكر + مرشح = فوز أكيد 

المتأمل لواقع الديمقراطيات في العالم يجد أن المشهد أو العمل السياسي يقوده حزبان قويان متكافئان في الفرص بالفوز بالرئاسة ..وثمرة التنافس بينهما تنعكس على حياة المواطن برفاهية العيش والعدالة الاجتماعية وحفظ الكرامة الإنسانية وفوق ذلك يسود المجتمعات التسامح ..ففي أمريكا الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري ..وفي بريطانيا حزب العمال وحزب المحافظين وغيرهما من الدول . أما في عالمنا العربي ورغم وجود كثير من العوامل التي تقرب بيننا إلا إننا نجد عددا مهولا من الاحزاب .. ولكنها أحزاب ضعيفة من حيث البناء والتخطيط , وتفتقر الى قيادات رشيدة , وتعتمد على الخطاب الديني أو بالأصح استغلال النزعة الدينية لدي الشعوب العربية في تحقيق مكاسب سياسية حزبية ضيقة  لا تعود فوائدها على المواطن ..وأيضا الأحزاب أعادت الى السطح القبيلية في معظم الدول العربية , فالولاء لشيخ القبيلة يحتم على الجميع مولاة من والاه دون الحق في الاختيار ..ولا غرابة إن نظر العالم للعرب كطائفيين متطرفين ...
تشتت الأحزاب وضعفها كان من نتائجه التمكين للمؤسسة العسكرية حتى صارت في معظم دولنا الملكية العسكرية فيها من التوريث ما فيها , وابقاء الحاكم الى أن يتوفاه الله مهما عجز ..وأقرب وأصدق مثال على ذلك إصرار المؤسسة العسكرية في الجزائر على ترشيح رئيس على كرسي متحرك ليفوز فوزا كاسحا على منافسين  كرتونيين .. وومثال آخر في موريتانيا  محمد ولد عبد العزيز الذي أتى بانقلاب عسكري 2005 ينادي بنتخابات ليفوز فيها ..والبشير الذي انقض على حكم ديمقراطي كان ثمرة انتفاضة شعبية على طغيان العسكر بقيادة النميري , ينادي بالديمقراطية ويترشح في انتخابات صورية يتنافس فيها مع أحزاب ورقية ليفوز فيها حتما مقضيا ..ومن المفارقات أن يندد أتباعه بالانقلاب في مصر وينادون لعودة الشرعية !
أما في مصر بعد ذلك الانقلاب المتخفي الذي أزاح رئيسا منتخب - رغم اختلافنا معه واعترافنا باخطائه إلا أن هناك وسائل ديمقراطية كان يجب تطبيقها لمحاسبته أو عزله إن استدعى الأمر - ولكنه منطق المؤسسة العسكرية التي تسيطر على مفاصل الاقتصاد والمال .. ولا نستغرب من التسويق لمن عزله بأنه المخلص وأنه مرشح الضرورة وأنه الرجل الذي لم تلد النساء قبله أو بعده!
واعتدنا في دولنا العربية على هذا الاسلوب المخادع فمن الاستقلال كل من وصل لسدة الحكم من العسكر يروج له على أنه هبة السماء المنزل على الشعب , فإما هو أو الطوفان .. فالمستفيدون من بقائه كثر : مافيا الورزاء ورجال الأعمال والمنتفعين ممن أمسكوا بزمام إقتصاد دولنا ..يدلل على ذلك استماتتهم في ارجاع النظام في مصر ..وخلافة بشار لوالده حافظ الأسد في سوريا .. وفي ليبيا نجد المليشيات الآن تزعزع الأمن وتنشر الرعب عبر البلاد , وبالتأكيد هنك مستفيدون من وراء حالة الارباك هذه , وهناك من يقول : زمن القذافي كان نعيما !
الأسئلة التي تتردد بإلحاح : ما الذي تجنيه هذه الأحزاب من الخوض في الانتخابات التي نتائجها محسومة سلفا ..لماذا تراهن على حصان خاسر ؟! فلم يحدث ان فاز في بلداننا مرشح منافس لمرشح المؤسسة العسكرية "ذي القناع المدني" ..فلماذا يصبغون هذه الانتخابات بصبغة الشرعية ؟ هل هناك صفقات سرية لا نعلمها ؟ ما الذي يجعل حمدين صباحي ينافس السيسي الذي هو الفائز حتما ؟ وما الذي جعل بن فليس ينافس بوتفليقة ؟ ما الذي يجعلهم يدخلون في انتخابات تسخر لها كل امكانات الدولة المادية ومن ورائها ماكينة إعلامية وتزويرية ضخمة , ورجال أعمال موقنون أن مصلحتهم في فوز مرشح المؤسسة العسكرية .. وتخمره على كرسي الرئاسة لا يعنيهم في شئ !
إن أصغر تلميذ في المرحلة المتوسطة لو سئل عمن سيفوز مرشح العسكر أم ست نكرات , فبالتأكيد لن تعييه الإجابة !
وكأن الحكمة تقول : مريض معروف خير من سليم مجهول ..ما أعجب انقلاب المفاهيم في زماننا !
والأغرب كذلك أن يخرج من راهن على الحصان الخاسر , ويشجب ويستنكر ويقول : أن الانتخابات مزورة ..ما الجديد الذي قاله بن فليس ؟! وغدا في شهر مايو سيطلع علينا حمدين بنفس الكلمات الجوفاء التي لا تجدي ولا تفيد ..وبعد غد سيعيد من ترشح مع البشير نفس الاسطوانة المشروخة ...
وفي سوريا سيتم عرض مزيد من اكسسوارات الديمقراطية , وسيفوز بشار الذي يجلس الآن على تلة من الدمار والخراب !
والذي لم يقف عنده الناس هو اعتزال مدير حملة حمدين صباحي , وحيد عبد المجيد السياسة , فلعلها المضايقات التي تمت من الكادر الذي يسيطر على المشهد المصري ..والملاحظ أن كثير من الشرفاء في مصر اعتزلوا العمل السياسي ...
المعادلة السياسية : 
عسكر + مرشح = فوز أكيد 
أليس هناك عربي رشيد يوقف هذه المهازل ؟
http://www.raialyoum.com/?p=77557

خطاب الرئيس في اليوبيل الفضي 
أيها الشعب الكريم الطيب الصبور , المحب للحياة , والبعيد تماماً عن التكفير والتضجر ..
أحييكم لكل ما تتمتعون به من خصال وصفات جميلة حسنة , يشهد لكم بها القاصي قبل الداني و إننا ل
كمجموعة حكم وخلال ربع قرن من الزمان عملنا على استغلال هذه الخصال , فإن الأحقاد المتواصلة في أنفسكم تكاد تكون معدومة فإنكم ضجرتم من عبود و أسقطتموه , ثم عدتم بعد أعوام تقولون : ضيعناك و ضعنا وراك ..
وخرجتم في الثورة الثانية ضد النميري وحينما عاد للوطن خرجتم ألوفاً و جماعات لاستقباله بالدموع ,, ما هذه القلوب التي يمتاز بها هذا الشعب , وحينما نظرت إلى تاريخك أيها الشعب الكريم الصبور لم نجد أنكم توجهتم إلى محاكمة أي مسئول , ولم يسجن أي مسئول حتى وإن اخطأ وارتكب الفساد , ولم نجد الانتقام الشخصي أو الحزبي ضد جماعة أو فرد , و بالتالي كان مجتمعنا خالياً و بريئاً من الاغتيال السياسي , فلم تظهر التفجيرات عندنا كما ظهرت في البلدان الأخرى . من هنا عملنا كمجموعة حكم كما ذكرت على استغلال هذه السمات والاستثمار فيها , فكانت مجموعتنا تعرف أن الذاكرة البريئة و الخالية من الحقد و الانتقام سرعان ما تنسى ما نفعله من وعد و ما نعطيه من مواثيق .
فكانت لحظة 30 يونيو قبل ربع قرن من الزمان أن نأتي كمجموعة جديدة , و لأننا نعرف أن من أزحناهم سرعان ما يرضخون و ينسون " فإننا بحق أخطأنا في حق الديمقراطية " وكان من الممكن أن نعمل سريعاً على إعادتها و لكن المجموعة المتعلقة بشجاعتي و موافقتي في إدارة هذا التكريس الجديد كان همها أن الفرصة الضائعة لا تتكرر فعلينا أن نعمل على تمكين مجموعتنا و قد تعاطف معنا الكثير من أهل المصالح و أهل الاتكاء على الفائدة ولا يهم ما يسمى الوطن .
والآن بعد ربع قرن من الزمان و حينما أعود بذاكرتي إلى كل من شارك معنا و أين هو الآن أعلم أنه كان واعياً مدركاً لمصلحته , و يمكنني أن أمدكم بالعشرات منهم ,, منهم من استولى على أموال طرق أردنا إنشاءها ومنهم من استولى على أموال جسور و مدارس و مستشفيات .
وكنت أختلف مع مجموعتي بخصوص هؤلاء البائن فسادهم , الظاهر للعيان شرهم واستغلالهم لمناصبهم , ولكن مجموعتي كانت تصرفني عنهم وتقول إن هذا النوع من الناس يدين لنا بالولاء بدرجة بعيدة .. وهذا هو عين التمكين ..
وكانت إدارة الحرب في الجنوب تعمل بكل جهد و اجتهاد على تخويف الشعب الطيب بأننا إذا فشلنا ووصل المتمردون الخرطوم فإنكم لا محالة تدخلون إلى الفناء و البدد , والهم الأخر والكبير في مسألة الجنوب اعتذر أيها الشعب الطيب عن كل الأرواح المزهقة في تلك الحرب وكم كانت الآلة الإعلامية لدينا تقود الشباب إلى تلك المحرقة العجيبة وبعد فناء كل تلك الأرواح الطيبة نجلس مع المتمردين للتفاوض , وتوقيع نيفاشا , وفي الأصل كانت مجموعتنا تعرف تماماً أنها ساعية إلى فصل الجنوب حتى نرتاح كمجموعة تفهم لغة التكبير والتهليل دون غوص إلى المعاني اللطيفة في هذه اللغة إننا كأهل تهليل وتكبير سوف يرتاح بالنا من هذه المجموعة اللادينية المختلطة بمسيحيين ووثنيين , وهنا يخلو لنا الجو ونحلِّق وحدنا أهل التكبير – ولعلكم فهمتم الآن مقصدنا .
ولأننا كنا نفهم كمجموعة أننا لن نتنازل لأحد كائناً من كان عن هذه السلطة , ولفهم نفسية صاحب القلب الطيب المصدق للوعود , عملنا على إنشاء آلة الحوار فإننا منذ العامين الأولين أقمنا عدداً من المؤتمرات لتفعيل الحوار و إشراك الأخر بمشاركة وهمية يحضر فيها المؤتمر ويتمتع بما فيه من متع وشراب وطعام و ينصرف في انتظار إظهار بنود المؤتمر إلى أرض الواقع ويطول انتظاره , وها أنتم وبعد ربع قرن من الزمان أيها الشعب الكريم الطيب الصابر تجدون أخر خطاباتي أمام البرلمان أني أنادي بالحوار و أن لا رغبة لدينا لإقصاء أحد , ولكن الذاكرة الطيبة الخالية من الكراهية لن تحاسبني أبداً ..
فذاكرة كل من عملنا على إزاحته هي ذاكرة لا أقول رديئة و لا ضعيفة , ولكن أقول أن صاحبها لا يحمل الكره والحسد للمحاسبة .
ويبقى السؤال الكبير كيف عملنا على فصل الجنوب و إنشاء حروب جديدة .. الإجابة عليه ببساطة هي أننا كنا نقول في حرب الجنوب أن المتمردين إذا انتصروا علينا فسيخسر أهل البلد كثيراً ولكننا عملنا على فصل الجنوب و أزحنا عن كواهلنا عبئاً ثقيلاً بوجود هذه الإثنية بيننا , و كمجموعة حاكمة قررنا أن ننشئ مواقع جديدة للحرب فعملنا سريعاً على تفعيل حرب دارفور , وبالطبع فإن ورش العمل الشيطانية لا تتوقف في خلق المزيد من الأزمات حتى يستمر العمل و يتواصل التمكين , أما بخصوص وجودي وبقائي في الحكم فإنني ومنذ سنوات أود التنحي , لكن أعلم أن المحكمة الجنائية لي بالمرصاد , و أن المجموعة التي أوصلتني لسدة الحكم لن تأمن من وصول رجل جديد , فلربما انقلب عليهم و أزاحهم جميعاً فيضيع منهم هذا الكنز و أنهم جميعاً أهل مصالح .

ولكن الآن و بعد ربع قرن من الزمان وبعد أن كبر وشاخ من مارسوا الديمقراطية فقد توصلنا معهم في الاجتماعات المغلقة إلى رؤى سرية أن نتنازل لهم بطريقة حفظ ماء الوجه لنا ولهم , بشرط أن لا ينفتح علينا أتباعهم بخروج يولد ربيعاً سودانياً ثالثاً , و قد رضوا بذلك أنهما بحق شيخان جليلان أشكرهما على ذاكرتهما الطيبة المسامحة والخالية من الأحقاد . 

الخميس، 17 أبريل 2014

دور الترابي في تقويض الحياة السياسية  والحزبية


الشيخ حسن الترابي هو سياسي بدرجة لاعب كرة قدم محترف .. دخل مضمار السياسة منذ ستينات القرن الماضي ..
وهو صاحب رؤى وأفكار سعى إلى تطبيقها على أرض الواقع ..حالفه الحظ في بعضها , ونال الفشل جانب آخر .. زواج الرجل من تلميذته , يعطي صورة مقربة لذهنية الرجل , ولا نقول الوصولية والميكافيلية . ولكن للسياسي أن يطرح كل ما يقربه أو يوصله إلى هدفه . ولربما ارتباطه بهذه العائلة ذات الإرث التاريخي يعطيه فرصة الوصول أو الظهور ..وعلى كل هي مرحلة .
والرجل صاحب صياغة لأفكار وقدرة أن يكون قياديا , وقد جعل لنفسه مكانة بارزة في تكوين وعمل الأخوان المسلمين , ولو بطريقته الخاصة , وتأبى نفسه أن تكون واضحة المعالم كما هي في بلد المنشأ , وربما ذلك لطبيعة أهل السودان غير المصادمة والتي تعمل بروح الإلفة والإحساس الهاش الباش .
واستطاع الرجل ومنذ ثورة أكتوبر أن يكون لمجوعته , القلب النابض فيها والمحرك لها ,وأن تنمو وتنتشر , مما لم يستطعه صادق عبد الله عبد الماجد أو غيره من أصحاب الأحزاب الأخرى دينية أو علمانية . وله من مقدرة الصياغة وتأمل المرحلة الكثير , فقد امتطى مسمى جبهة الميثاق, ثم الجبهة الإسلامية , ثم الإنقاذ وهو من صنعه وصاغه وسوقه وتخفى وراءه حتى أظهره للشعب السوداني بأنه ذراع الجبهة الإسلامية الذي انقض على الديمقراطية , التي كان متربصا بها , عقب عجزه الوصول للسلطة عبرها . وكان حلمه أن ينتصر بقوة السلاح وبالإيحاء للشباب بأنهم للجنة سائرون , إن دحروا الجنوبيين وهزموهم .
وللرجل من الثقافة والإلمام في شتى ضروب المعرفة , هل هو الفقيه ؟, هل هو المتحدث اللبق في حركات التاريخ والصوفية وشتى الاختيارات الذكية ؟ أم أنه العراب الفرنسي المتشبع بالثقافة الفرنسية؟ كل هذا الكم الهائل ملأه بإحساس القوة وأنه المتفرد وأن الجميع لا بد أن يكونوا تحت إمرته, وأن من حوله يتضاءلون , ولا بد أن يسلموا له بالقياد و الانقياد . وهذا جعل بعض تلامذته  يتململ منه , فإنه يتحرك ولا يسكن أبدا, وكل حين هو في شأن جديد ومتناقض مع ما قبله !
إن الضحكات والتبسمات أثناء أحاديثه المختلفة لهي تعبير صادق بوعيه بقوته الفكرية وحافظته العجيبة من الأمثال والرؤى , وكأنه يقول لمن حوله لن تستطيعوا اللحاق بي أو حتى يمكنكم أن تصلوا إلى أقل القليل من معرفتي !
وكأن من تعرض له بالضرب في كندا في زمن سابق , كان مشحونا بأن الرجل انقض على الديمقراطية وأن ضحكاته تلك تنم عن استخفاف يولد (إنهم لنا لغائظون ) ولكن من ضربه لم يلحظ فارق السن وفارق المعرفة وطغى عليه تأثره بما فعل الرجل وزمرته الفاسدة بالسودان وأهله , وكان لهاشم بدر الدين الوعي المبكر واستشعار الإنذار بأن أهل الإنقاذ يقودون البلد إلى الفوضى والتدمير ...
وتدور الأسئلة حول الرجل بعد أن أزاحه تلامذته وانفردوا بالحكم , وفعلوا هذا العقوق البين في حق والدهم وصانعهم ! سواء أكان ذلك من على عثمان طه وجماعته أو من أمين حسن عمر وجماعته ..هم قدموا العقوق لوالدهم والذي ما انفكوا يقلدونه حتى في طريقة الكلام مع رفع الحاجب والابتسامة الغامضة بين الفينة والأخري..
ومضى الرجل متغلبا على مأساة إخراجه من المشهد الذي صنعه , وأهلك الحرث والنسل فيه.  وقام تلامذته بعد تفاوض شاق بفصل الجنوب,  فكوَّن الرجل مجموعة حزب المؤتمر الشعبي , وأخذ يسوق له بشتى الطرق , حتى أقنع البعض ودلفوا إلى ساحة حزبه , ولكن الذاكرة الهشة لنا كسودانيين تجعل التعاطف يقوم على أساس مساندة الرجل , على قرار ارحموا عزيز قوم ذل ..فلا المؤتمر الوطني , ولا المؤتمر الشعبي يصلح للسودان ..فقط المؤتمر الهندي قد أنجح الهند وقادها إلى الديمقراطية وتعايش فيها الخليط الهائل من مسلمين وهندوس وغيرهم .. والمؤتمر الأفريقي من قاد جنوب أفريقيا إلى تجربة عظيمة في تداول السلطة ..
 إن الترابي بكل أخطاءه , وبكل معرفته لو مضى إلى جامعته والتدريس بها , لاستفاد الناس من عالم ربما طور نفسه إلى مصاف من نالوا جائزة نوبل .. إلا أن السياسة بكل مستنقعاتها قد لوثت الرجل ..
ففي الدول التي تمارس الديمقراطية نجد أن الرئيس والمسئولين بعد انتهاء فتراتهم ,يعملون في هيئات استشارية , أو في مجال الأعمال الخيرية ,فيستفيد المجتمع من خبراتهم .. ولكن في بلداننا يظل السياسي في الحلم برئاسة الدولة أو الوزارة وقد شاخ وكبر ..والشيوخ الذين يفاوضون الإنقاذ الآن ويحلمون أن يفضي الحوار إلى نتيجة واهمون . فبعد تصريحات الترابي من الدوحة وكأن الدولة رضخت لشروط الشيوخ تأتي تصريحات غندور بالأمس : بأنهم ماضون في منهجهم ( وتحياتي إلى صناديق الاقتراع ) ..
وبعد كل هذا : هل يستطيع الترابي  يوما أن يظهر للناس ويعتذر لهم عما أثاره من أتربة وغبار وما لحق بالسودان من مآس وفتن وويلات وفظائع .




الأربعاء، 16 أبريل 2014


الصادق المهدي ودور حمامة السلام في الخليج

الصادق المهدي سليل البيت التاريخي والذي لا ينكر أحد دوره في التاريخ السوداني , ولو كنا محظوظين فعاش المهدي بعد فتح الخرطوم ورأى حلمه في توحيد البلاد حينها لكانت خارطة السودان مختلفة تماماً وحياته مختلفة تماماً .

وحين يتحدث الناس عن ثورة إيران في 1979 م ويذكرون بأنها الثورة الإسلامية الأولى في المنطقة , يلقي قول هذا دور الثورة المهدية في كونها أول ثورة إسلامية ,وإن وصمها البعض بالثورة الصوفية النازعة إلى ميراث المهدي المنتظر.. المخلص للعباد من الظلم والفساد .

وعودة أخرى إلى الصادق المهدي والذي أخذ دوره عن طريقين الأول طريق الميراث والثاني طريق الذكاء الفطري الذي يتمتع به الرجل من علمٍ وثقافة , تمكن من خلالها إلى أن يتبوأ منصب رئيس الوزراء في العام 1966 م وقد بلغ الثلاثين , ويواصل نضاله السياسي لمدة عشرين عاماً ليصل مرة أخرى في العام 1986 م إلى رئاسة الوزارة .

ثم وبعد ثلاثة سنوات ينتزع العسكر المتحالفين مع الإسلاميين المتمثلين في الجبهة الإسلامية حينها بقيادتيه عمر البشير وحسن الترابي , وجاء الانقضاض على الديمقراطية ليعيش الصادق المهدي في المنفى لعدة سنوات معارضاً النظام .. ورويداً رويداً تخمد همة الرجل فيعود للسودان وتطلق مسميات عدة لعودة الرجل للخرطوم , والآن وبعد مرور ربع قرن من الزمان وحيث يحتفل الرجل بعيد ميلاده السابع والسبعين وقد تشظى حزبه وعانى من الانقسامات , ودخل مع النظام في تفاوض وتحالف وتهادن و جلسات وجلسات .. وإننا لنسأل ما دور الرجل في إضعاف حزب الأمة والذي كنا ننظر إليه كحزب قوي متماسك وما دور الرجل في إضعاف الإنقاذ والعمل على تفكيكها ولماذا عمل طوال هذه السنوات على الصمت والتخفي وراء الكلام المصطلحات .

إذا كان الرجل لا يريد للسودان أن ينزلق انزلاق ليبيا أو أن يدخل إلى فاجعة سوريا أو أن يتشظى تشظي الصومال . فلماذا تهادن مع النظام طوال الأعوام الماضية وهو يرى السودان وقد انقسم شمالاً وجنوباً .. ويرى دارفور المأساة , دارفور الفاجعة , دارفور الغبن , تئن و تتفتت ولا تنفعها المعالجات من أطباء الداخل أو الأطباء القطريين .

وكنا ننتظره أن يعطي المبررات  لتعاطيه مع الإنقاذ .. التي يتساقط رجالها ويبترون منها .. ما هي الفلسفة الحقيقية وراء صمت الرجل ومهادنته ؟! ووراء جلوسه مع النظام ؟!

هل دخل في مفاوضات بأن يعاد إليه الأمر والمال بعد ربع قرن من الزمان – وقد تغيرت المياه في النهر وتغير المناخ في كل العالم – وماذا يريد بعد هذا العمر ؟!

أنا التي لم أنضم لفريق سياسي كنت أحس نفسي أنني أقرب ما أكون لحزب الأمة , ولكنك الآن تصاب بالخيبة ولا تجد لهذا الحزب أي تأثير في الحياة لا في المدن ولا في الأرياف , أن بقيت هنالك أرياف .. فلا جريدة للحزب ولا تلفاز ولا أي منبر يعبر عن أفكارهم . وتتناسل الأسئلة في دماغي ما الذي جرى مع أكبر حزب سياسي ؟! هل سِحر فرعون الإنقاذي جعل الصادق المهدي يُخَيًّل إليه أن السياسية من حوله حية تسعى .. فجاف أن يلدغ منها ! أم أن الإعلام هو الذي يصنع أبطالاً سرعان ما تتبخر مياه حقيقتهم ونلقى أنفسنا أمام سراب!

والآن في هذه الأيام نسمع أن الصادق سيكون حمامة سلام بين دولة قطر والخليجين .. وهناك تتولد الأسئلة .. هل أصبح الرجل سفيراً إنقاذياً يذهب إلى قطر لتقديم واجب الشكر لتميم والدوحة , لمد يدها ودعم الخرطوم بمليار دولار ؟! وإن كان الصادق المهدي له مقدر إعادة المياه إلى صفائها .. وتحلية مياه البحر الأجاج .. فلماذا لم يعمل على ذلك بين الإنقاذيين والجنوبيين حتى لا ينفصل الجنوب .. وهناك من يقول لي أن الرجل قد عمل بكل جهد حتى نتفادى فصل الجنوب قبل حدوثه , إننا نتساءل ما دوره الآن في النضال لعودة الجنوب إلى الجسد الذي يعاني من هذا البتر .. إننا لم نسمع منه أي جملة أو حتى مصطلح يعبر عن هذا الأسى العميق لفصل الجنوب .

وتتوارد الأسئلة وقد أكثر الصادق في الفترة الأخيرة أنه محسود , ما موقع هذا التعبير في السياسة وإذا كان لكلمة محسود موقعاً في السياسة فإنني أقول أن سحرة فرعون الإنقاذي قد سحروا الصادق فأخذ يخيل إليه أن الناس حوله حيات تسعى ..

وتلحظ في الآونة الأخيرة أن , أسئلة الصادق أضحت مصدر فاخر للتندر والفكاهة لدي السودانيين – الذين يحبون الطرفة – مثل سؤاله : ” لما اختفى اللون الأخضر لدى البنات في السودان ! ” ونقول لأن اختفاء كلوروفيل الصادق المهدي من الحياة السياسية أدى إلى اختفاء اللون “الأخضر” والله أعلم ودمتم …

http://www.raialyoum.com/?p=73581

الأحد، 13 أبريل 2014

البيئة العربية و التلوث المعنوي !
البيئة العربية ملوثة بانبعاث غازات المصانع والمعامل , وبفقدان شبكات الصرف الصحي تجد انبعاث الروائح الكريهة وسيلان القاذورات , أضف إلى ذلك ما يزكم الأنوف من تكديس حاويات القمامة وما يطفح حولها من أكياس وكراتين تضيف إلى ذلك تلوثا بصريا ..أشياء سيئة في المقدور التخلص منها إن صدقت النية ..ونحن الآن في زمن النشطاء والناشطات يمكن ألا ننتظر الحكومات حتى تفعل فعلها في إزالة هذا الوباء ونحسن صورة بيئتنا .
   لكن الأمر الذي أود أن ندلف إليه ليس هو هذه البيئة , إنها بيئة أخرى هناك ,بدأت ملامحها تتشكل في عالمنا العربي , ألا وهي بيئة البذاءة ولا شئ غير البذاءة ذات الغازات الخانقة والروائح الكريهة القذرة . السباب والشتائم المقذوفة , وكأن من يطلقونها ليسوا بشرا وإنما آلات مصنوعة عبئت بهذا الكم من سخف الألفاظ , وبضغطة زر تنفتح عليك بياراتها ويطفح حولك سيل من صديد الكلمات النابية .
من أين أتى هذا الجيل , وهم من يملكون أرفع الشهادات وجاءوا من أعرق الجامعات .. وتلقوا تعليمهم على أيدي أساتذة أكفاء أجلاء ..فكيف وصل مثل هؤلاء لهذا الدرك السيئ من البذاءة والانحطاط في وصف الآخر ..والكل يدعي سعيه إلى قبول الآخر , والتبشير بالديمقراطية والحرية والكرامة الإنسانية .
إن من ينظر في حال بعض القنوات يجد من بعض المذيعين  وأصحاب البرامج الحوارية أو التحليلية قد تخصص في السب والبذاءة وقذف الآخرين بأقذع الصفات . . وغن كانت الغازات المنبعثة في كل العالم قد أدت للاحتباس الحراري , فإن غازات البذاءة المنبعثة من التلفازات سوف تعمل على مزيد من الاختناقات والمزيد من تصاعد الحرارة بين الناس . فعلى الجميع الانتباه إلى هذه الأساليب السيئة قبل فوات الأوان . فمهما كان الاختلاف مع الآخر ,فما الذي يفيد بوصف طوله أو قصره أو صورة خلقته إن كان بدينا أو نحيلا , وماذا يهمنا من انتمائه يمينا أو يسارا أو معتقده ( لكم دينكم ولي دين ) . لكن الآن نلحظ كيل السباب والوصف المقذع . إن الرئيس فلان خروف ..إن الرئيس مصاب بالتوحد ..أو يوصف الرئيس فلان بمهنة وضيعة .. أو إن أبناء الجهة الفلانية كلهم حمير , وغير ذلك .ومثال ذلك مَن يصف نفسه في وسيلة تواصل اجتماعي بأن مؤهله كذا وكذا وأن تبوأ من المناصب أرفعها , ثم يقول عن ذلك الصحفي أنه عبارة عن أذنين ركبتا على إنسان , ويحمد للصحفي ترفعه عن هذا الأسلوب الهش الذي هو دلالة ضعف وخور صاحبه الذي أطلقه .
ولننظر في القران الكريم ينبوعنا الثر العظيم : نجد أن الكافر الذي لم يؤمن بأن هناك ربا وقال أنا ربكم الأعلى . وهناك اليهود مَن تطاولوا ووصفوا الله بالبخل – والعياذ بالله – وقولهم : (يد الله مغلولة ) و (إن الله فقير ) , تجد المنافقين وتجد مَن انسلخ عن إيمانه وتبع الشيطان , ولكن مع تلك الانحرافات الخاطئة لم يصفهم القران مباشرة فمثل الذي انسلخ عن آيات الله (فمثله كمثل الكلب ) وكذلك علماء الدين الذين جاءهم العلم الراسخ ولم يعملوا به ( كمثل الحمار يحمل أسفارا ) ولم نلحظ أن أحدا منهم وصف بأنه كلب أو حمار , ولكنك الآن في تلفازات البذاءة تجد الوصف المباشر بأن فلان كلب وعلان حمار أو أن أمه كذا وكذا ..
هذه ليست أخلاق الاختلاف أن نضع الجميع في سلة واحدة . لا بد أن نعمل بمنطق قرآننا العظيم (ليسوا سواء ) , فأهل الكتاب منهم أمة قائمة .. والأعراب الذين وصفوا بأنهم أشد كفرا أو نفاقا ,نجد في موضع آخر (ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله ) .
إن انبعاث غازات المصانع وعوادم السيارات مقدور على إصلاحها , ولكن كيف نصلح انبعاث الغازات والقاذورات الكريهة من تلفازات البذاءة المنبعثة داخل بيوتنا وغرفنا , وإنك لتتخيل أن أمثال هذه القنوات وقد وضعت إعلانا يقول : تعلن قناة البذاءة عن حاجتها لمذيعين لهم القدرة على السباب والشتم وسبق لهم الاطلاع على قواميس الدناءة والبذاءة ويحفظون الكثير من مصطلحات الهجاء والشتم . فمن يأنس في نفسه الانحطاط التقدم إلى مقر القناة الكائن في شارع الانحراف جوار مجمعات (ملعون أبو كل حاجة ).
إن هنالك كثير من الكلمات صارت وكأنها عادية ومستحبة , فمثلا أهلنا في مصر يكثرون من قول : الله يخرب بيتك , إنني لا أحبذ هذه الكلمة أبدا فهي دعاء لا خير فيه , لا حول ولا قوة إلا بالله أن ينخرب بيت فلان أو فلانة أو ينخرب وطن . فيُخشى على المصريين من أن ينالهم شئ من هذا الدعاء .
رحم الله الجميع وغفر لهم ..وجعل ألسنتنا طيبة , تقول الحسن الجميل ويكون همها أن تقول : قولا معروفا , وقولا سديدا , وقولا بليغا , وقولا كريما , وقولا ميسورا , وقولا لينا ..و أن ندخل في نداء : وقولوا للناس حسنا . 
http://www.raialyoum.com/?p=75592

الثلاثاء، 8 أبريل 2014

وا أسفاي
وا أسفاي ..
ده جرح عميق
وا أسفاي.. 
على البلد اللي 
كان مشرق .. 
وكان لو بريق
صِبِح مظلم .. 
وضل ّ هداه..
ضل طريق
منو البقدر..يقول 
البغلة في الابريق
وا أسفاي ..
على البلد اللي..
كان موجود ..
صبح مفقود..
يعاني الضيق
منو البقدر..يقول 
البغلة في الابريق
وا أسفاي .. 
على البلد اللي
كان واحد..صبح اتنين
شمال وجنوب..
ورغم أديس ومختلفين
ومتحدر الى التقسيم..
ومتحدر الى التفريق
منو البقدر..يقول 
البغلة في الابريق
وا أسفاي..
على يوبيلم الفضي..
وحالنا اليوم ..صبح 
مقلوب ومتردي..
وكل أطرافنا فيها حريق
منو البقدر..يقول 
البغلة في الابريق
وا أسفاي..
لكل من قال..
أنا معارض..
صبح شوكة سمك في الحلق
متعارض..
وراح قبّل أياديهم..
وزادم من زغاريدو..
مع التصفيق
منو البقدر..يقول 
البغلة في الابريق
وا أسفاي..
على الصحة..
وكنا زمان ما بنعرف ..
سوى القحة..
وعسيم ضهر أو كتمة..
وشوية ضيق
منو البقدر..يقول 
البغلة في الابريق
وا أسفاي..
على مَن وطّن الأحباش..
وأهل البلد عندو ..
هم الشُّذَّاذ ..وهم أوباش
وكل الشعب عندو رقيق
منو البقدر..يقول 
البغلة في الابريق





في الذكرى العشرون لمذابح رواندا:
السودان ومصر .. هل سيأخذان الحكمة من المصالحة الرواندية
الذكرى العشرون لمذابح رواندا تمر هذه الأيام , تلك الحرب العرقية , قد أودت بحياة 800 آلاف إنسان معظمهم من التوتسي . فالتطهير العرقي الذي جرى بين الهوتو والتوتسي على خلفية النزاع على السلطة , وحين خاف الهوتو أن يسيطر التوتسي على الحكم , بدأت التحريضات وخلال أقصر فترة من الاقتتال في التاريخ يهلك ما يقارب المليون إنسان .
وبعد مرور عشرين عاماً نجد هذه الأيام من يحكي أن حكومة كيغالي تعمل وبعد توقف الإبادة ووصول الرئيس (بول كاغامي) إلى إنشاء حياة جديدة والعمل على النشوء باقتصاد البلاد والذي يشهد معدلات نمو مشهودة وهناك العديد من الخطط لرؤية رواندا المستقبل .
و عمل الروانديون على لملمة جراحهم و فجائعهم بإنشاء منظمات وورش عمل منها : ما يسمى بمنظمة تصافي القلوب , أو ورشة اليد الممدودة و برغم من يقول : ابتسم , ولكن قلبي فارغ فإنك تجد صور المصالحة بادية في هذا البلد الحزين أهله ..
بعد كل هذه المقدمة حول ذكريات رواندا الأليمة و عملهم الدؤوب للمصالحة الحقيقية .. إلا انك تلحظ أن الهوتو والتوتسي كصورة اختلاف ذات ملمح كالح تبدو للعيان في السودان ,فبالأمس دار قتال بين قبيلتي الحمر والمعاليا راح ضحيته 17 مواطن من القبيلتين , وعن دار فور الجرح الذي عجز الجميع عن رمه , تعجز الكلمات عن وصف تلك المآسي التي طال أمدها ولا أمل يلوح في الأفق !
فرغم نداءات المصالحة المتكررة في الإعلام ..إلا إنها لا تحمل معنى حقيقي , وإن كان حقيقيا لاستقال الرئيس وسلم الحكم إلى المجموعات الوطنية , ولكن الرجل يمسك بزمام الأمور ويغازل الآخرين الآن . الحزب الشيوعي وحزب البعث لم ينضما إلى ركب المصالحة , فعلام يراهن الشيخين الصادق المهدي وحسن الترابي , والأول ألقي به من الوهلة الأولى والآخر بعد عشر سنوات من الانقلاب . الجميع يدفنون رؤوسهم في الرمال  , ومأساة دار فور هي الآن في أشد اشتعالها ؟ حينما اسقطت طائرة رئيس رواندا بدأت المذابح , والآن حالة الهوتو والتوتسي سوف تكرر في السودان , ولن تنحصر في كردفان ودار فور , بإصرار هذا الرجل على البقاء والترشح لفترة رئاسية أخرى , فإن مجموعته ستعمل عاى إبادة كل توتسي معارض لها !
 وأيضا إنك لتلحظ أن الهوتو والتوتسي كصورة اختلاف بدأت تظهر في مصر الحضارة مصر التاريخ , ولا شيء غير التحريض والتحريض المضاد , وما يخلق هذا النزاع في مصر .. إن الإعلام في مصر بحالته الحالية وانحيازه إلى زعيم تم صنعه و تفصيله و أقامة تمثاله الشمعي يخلق في مصر .. حالة الهوتو والتوتسي , وقد رشح إلى السطح أن نزاع أسوان القبلي كان منشأه من كتابات مسيئة للسيسي في احد حيطان المدارس ..
وكأن الصورة التي بدأت في درعة بالكتابة على الحيطان و أدخلت سوريا في النزاع الدموي تعصباً لرئيس أثار الأحقاد وبأن مجموعته سوف تتعرض للإبادة من قبل من سماهم و اتهمهم .
وإن صح ما تم تداوله في مصر عن نزاع أسوان وأن مبدأه الإساءة للسيسي ..فإننا في الإعلام نجد نفس الخطاب الذي توجهت به مجموعات الإخوان يوم 21\يونيو الماضي .. حينما قال بعض الخطباء إن من يرش مرسي بالحليب سنرشه بالدم .. والآن نجد في الإعلام المصري ليل نهار من يردد مثل ذلك و أكثر: من أن السيسي لو تعرض لمكروه سوف ترى مصر الأهوال والأوجاع .
وأن حالة الهوتو التوتسي المصرية لهي صورة مفزعة و موجعة إن فتحت أبوابها .. فعلى الذين يروجون للمشير المستقيل ورئيس المستقبل أن يجلسوا إلى طاولة العقلانية .
  إن الحالة الأسوانية إن فتحت في مصر , واستمر تعنت البشير وزمرته في السودان .. فسنلقى ما هو أشنع وأفظع من حالة رواندا .. إن حكمة المصالحة الآن تأتي من رواندا فلنأخذ الدرس قبل فوات الأوان ..

الأحد، 6 أبريل 2014

السودان : الخرطوم المدينة  الدولة

الخرطوم ولا شئ غير الخرطوم..الهجرة إليها .وإن كانت هناك دراسة موثقة ,ستجد أنها المدينة الأولى في الوطن العربي من حيث استقطابها لأهلها من المدن والقرى الأخرى ..فحين نتحدث عن امتدادها في الجهات الثلاث الخرطوم - أم درمان - الخرطوم بحري ,ستنجد أن الامتداد يصل الى حد لا يوصف , وستلقى أن الثورات مضت بعيدا من الحارة الأولى وحتى جاوزت التسعين إن لم تخني الذاكرة ..وجنوبا كان أبعد حاراتها الكلاكلة ,فقد وصلت الآن الى جبل أولياء ( 44 كيلو متر جنوب الخرطوم ) وما بعدها ..أما الخرطوم بحري فقد وصلت الكدرووتشارف حدود ولاية نهر النيل عند جبل قري و( الشلال السادس على النيل ) شلال السبلوقة  .. إنه التكدس الأكبر ,باختصار السودان كله في الخرطوم .
أين المدن الأخرى .. يا سبحان الله ..من نطلق عليه ونناديه الكافر ,مد خطوط السكة الحديد - وان كانت لصالحه - إلا أنه بنى معها مدنا بعيدة ..الأبيض يصل اليها الخط الحديدي قبل مئة عام من الآن وتزدهر . كذا مدينة كسلا وبورتسودان والقضارف , وبنى فيها المباني الإدارية ويستقر الناس في تلك المدن ولا يبارحها أهلها . 
إن الأسئلة حول الهجرة من الريف والمدن الطرفية الى العاصمة لتأخذ دراسات عدة .. لكن من إختار لنفسه اسم الإنقاذ لم يعمل أصلا على تطوير تلك المدن ..وتدريجيا عاما بعد عام وحتى وصلنا ربع قرن من الزمان وجدنا أنفسنا قد هجرنا مدننا الجميلة  وتكدسنا في الخرطوم . كمثل أهلنا في دار فور والذين تهدمت قراهم وأريافهم من يستطع منهم الهجرة الى الخرطوم ,هاجر الى نيالا والفاشر . 
هل نحن الآن وبعد ربع قرن من الزمان نعرف شيئا اسمه الريف . هل نحس الآن بجماليات هذه الكلمة , وهل لها في قاموسنا أي احساس أو فهم . الكلام الجميل لدينا موقعه في برامج التلفاز والإذاعة , ولكن على أرض الواقع انظر الى الهجرة القوية نحو الخرطوم والخرطوم فقط ..فهناك  قرى بأكملها هاجرت اليها .
لكن وسط كل هذا السواد , والحق يذكر ,أن نثني على محمد طاهر ايلا والذي جعل من بورسودان موقعا متميزا وسمعت أن الرجل قال لولا نقص الماء بين يدي لجعلت من بورسودان دبي السودان  - ومن مفارقات القدر : وعندما نصحه البريطانيون ان أفضل نظام خدمة تركوه في السودان اختار الشيخ زايد كمال حمزة وقال له : أبغى أبو ظبي تصير مثل الخرطوم !!! بورسودان الآن ملفتة بتنسيقها وترتيبها .
لقد عشت ردحا من الوقت في مدن شمال كردفان الرهد أبو دكنة وحاضرة الولاية الأبيض وفي النيل الأبيض بمدينة كوستي ,كانت مدن مكتفية والحياة فيها مقدور عليها , ولكن تدريجيا مع منتصف تسعنيات القرن العشرين بدأت الاوضاع تتدهور فهاجر من هاجر الى الخرطوم وهاجر الآخر الى الخارج في كل الأصقاع ..أعطني مشروعا تنمويا واحدا عمل على استقطاب الناس ورضوا بالهجرة ؟ لا شئ الرد صفرا ..
وتسمع الى عثمان طه النائب السابق للرئيس وقد زار الجنينة ووضع شعارا خلفه ( سنعيدها سيرتها الأولى ) ومع تقديري لكل مدننا ..أقول من يحلم بذلك ؟أعد لنا الجنينة وان استطعت أن تعيد الروح لود مدني فهنيئا لنا ! 
ود مدني حينما أعبر شوارها وأرى منظرها اليوم أحس الأسى ويطفر الدمع من عيني ..مدني الغنية بذاك الكم الهائل من المثقفين والعلماء والمبدعين ,ترى وكأنها مدينة أطلال ..كم أعود الى ايامها البيضاء الجميلة وذلك القطار السعيد وقد عبر بنا عبرها ....
مدني ود السني وقد تغنى بها الفنان المبدع محمد الأمين , وبالقرب منها حنتوب وقد تغنى بها الخير عثمان ..هل يستطيع الآن أحد أبناء المدن البعيدة أو القريبة أن يغني لها ويتغزل بجمالها ..لا لن تجد من يفعل ذلك .
وحتى الخرطوم صارت سماحة جمل الطين ..بعض الشوارع الرئيسية ..ولكن تفاجأ بالحارات والقاذورات فيها ..مطوقة بالفقر ومدن الصفيح ...
يا أهل الإنقاذ هل منكم من يستطيع أن يقدم لنا ثورة العودة الى مدننا الجميلة القديمة ..وهل منكم من يعيدها سيرتها الأولى فعلا لا قولا ..أشك في ذلك مع ارتفاع سعر التكلفة وارتفاع عدد من يريدون أن يحققوا الثراء لأنفسهم على حساب أهلهم .
وإن كنا قد سبقنا من حولنا في تخطيط المدن وترتيبها ,فإني أحيل أهل حكوتنا الرشيدة الى منظمي ايكولوجية المدن في السعودية ليأخذوا من أهل البلديات هذا الترتيب لكل المدن ,والعمل على جعل كل مدينة مكتفية وكافية لأهلها ,فلن تجد أحدا في شرورة -وهي أبعد مدينة في الجنوب السعودي ..أوينبع في أقصى الغرب ,يحتاج أن يذهب الى العاصمة ليكمل أعماله ومهامه ,فكل شئ يريده يجده في مدينته .
ولكن عندنا وحتى نلتقي في درديب مدينة مستقبيلية ..أو الفشاشويا منطقة مناسبة للعيش ..بلغوا تحياتي الى المشروع الحضاري و وطريق الانقاذ الغربي والى كل مشروع تنموي لم يكتمل .. وأتمنى ممن تغضبهم صراحتي تجاه المسيئين لنا أن يعملوا فكرهم ويجتمعوا للنهوض بهذا البلد المغمى عليه قبل فوات الأوان .
 http://www.raialyoum.com/?p=72425

الجمعة، 4 أبريل 2014

محجوب شريف 
 رغم أن الكلمات تتقزم وتقصر عن وصف قامات سامقة في سماء الوطن مثل فقيد الشعب محجوب شريف ...إلا اننا نسكب العبرات كلمات لا توفي الفقيد حقه ولكن ربما يكون لنا بها عزاء في مصابنا الجلل
محجوب شريف..
محجوب مع الفعل الشفيف
محجوب وما محجوب ..
عن الزول الضعيف
القضى عمرو ..
يكد ويكدح..
وما لحق حق الرغيف
محجوب وكان محجوب ..
عن الحكم البعذب شعبو..
 بالويل والهموم..
ويصب عليهو
مزابل الفعل المخيف
وسمعنا إنو ..
وزير مرضنا..
قرر انو يزور شريف..
لكن , فشل ,
معقول ملوث بي علل..
أهلي الحنان..
يتلاقى والزول النضيف
محجوب شريف ..

ده العمرو منحاز..
الى جنب الضعيف
هل شفتوه يوم..
ظاهر مع أهل الحرام..
أو انوطبل للنظام..
اللي بحكم وهو في الأصل الكفيف
الروحو ضايقة..
وكل كلامو أسخف من سخيف
والساق بلدنا..
 الى الجحيم..
ودخلنا في جرح عميق..
ننزف نزيف
وشوفنا محجوب الشريف
بعمل واصحاب القلوب..
لي فكرة اسعاف الغلابة..
وكل من فقد السند ..
ويعيش على الهامش ضعيف
رحمة الله الكريم ..
على شريف..
العاش عفيف
ومات عفيف
ما اتلوث بالتقرب لي نظام ..
أو مد ايدو لمن سرق قوت الغلابة..
ويدعي الليل والنهار انو ..
رباني وشريف
رحمة الله الكريم..
على شريف..
غنى للبلد الحبيب..
وناداهو قال: يا جميلة..
وعرف بحسو ..
وبي جمالو..
وبي ورد فكرو الشفيف
انو حياتنا اضحت مستحيلة..
طالما الكذب الغراب..
فارد جناحوعلينا..
وصيرنا نكتة ..
وحالنا أطرف من طريف
رحماك ياربي اللطيف
ترحم نصير كل الغلابة..
محجوب شريف .


الخميس، 3 أبريل 2014

مغامرات الانقاذ غير محسوبة العواقب 

ممارسات حكومة البشير في السودان أدت الى كثير من الكوارث التي تهدد أمن واستقرار البلد . وكثير منها يكون تحركه المصلحة الفردية أو الشخصية . وللأسف لا توجد دراسات وتوثيق لها ،إلا في حالات نادرة وبصورة خجولة.
ما يتداول الان في المجتمع - أعتقد أن فيه كثير من الصحة فلا يوجد دخان بلا نار . الان في السودان انتشار مرعب لمرض السرطان بشتى أنواعه ..تتركز الاصابات في الاقليم الشمالي واقليم الجزيرة  ففي الشمال تم دفن النفايات الكيميائية والمشعة في صحراء العتمور وغيرها .اما في الجزيرة فالحديث عن مبيدات حشرية وأسمدة غير مطابقة للمقاييس الصحية العالمية . ولا ننسى ترحيل النميري للفلاشا ودفن النفايات المشعة،   فصورة المستتر والمخفي في الماضي تعطيك صورة ما يجري الآن.

وأعود لما يتداول هذه الأيام من أخبار وما أودعته إحدى الدول الخليجية ما مقداره مليار دولار لتكون الخرطوم الحديقة الخلفية للأخوان , وكأنك تقرأ في كتاب التخبط والعشوائية في هذه البلاد وما سبق ورتبته لدخول كارلوس للسودان والعيش فيه وهو المطلوب عالميا في كثير من القضايا . وما جرى من إيواء أسامة بن لادن وما لقيناه من ضرب أمريكا وتهديم مصنع الشفاء ..والعقوبات الاقتصادية ..ومحاولة إغتيال الرئيس المصري المخلوع في أديس أبابا , أدت الى تفاقم مشكلة حلايب وشلاتين ...
ثم إنك ترى التقارب مع إيران وتكديس السلاح في مستودعات لا تبعد عن الأحياء السكنية سوى بضعة أمتار .. وما جرى  من ضرب مصنع اليرموك وما سببه من خوف وهلع للمواطنين بالاضافة للأضرار المادية , تهدمت بعض المنازل وأقلها ضررا تكسر زجاج أبوابه ونوافذه ..ولم تهتم الحكومة بتعويض المواطنين  أو حتى تقديم المساعدة الطبية والنفسية لهم ,مما جعل الكثيرين منهم يهجرون مساكنهم خوفا من تكرار الحدث . وتخبط الحكومة في توضيح أسباب الانفجارات الضخمة , ونفيها ثم تفاجأ الجميع ليلة العيد بضرب اسرائيل لنا , ولا يزال شرق السودان مستباحا ومرتعا خصبا لاسرائيل . ويبن ذلك هشاشة الوضع الأمني في البلد وعجز الحكومة عن حماية أرواح وممتلكات المواطنين .
سجل العشوائية السياسية هي ما تجعلك تحس الأسف والأسى لحاكم غير منطقي وغير محايد وغير منحاز لمصلحة البلد . إن كان هذا الحاكم انشغل بالتنمية  والعمل لها وتكريس وقته جميعا لها ,لنال الوطن منه الجميل والرائق وانعكس ذلك على جميع الجوانب , لكن المصلحة الحزبية والفردية ومصلحة تنمية مجموعتك تجعلك في سعي لا يفتر للمزيد من العشوائية , إن لعاب المرء ليسيل دائما كلما رأى الأكل
العشوائية السياسية هي من أسباب هلاك القذافي وإنك لتحكي عنه كأنما تحكي الأساطير , جلب الدمار لليبيا : الحرب مع تشاد , لوكربي , والنادي الليلي في برلين , وثوار أمريكا الجنوبية وغيرها وغيرها ..
من يوقف الحاكم المنفرد بقرارات تميل الى هذا الجانب أو ذاك ,بغامرات غير محسوبة العواقب , فالبلد المنهك بتفاقم الحرب في دار فور وجنوب كردفان والنيل الازرق .وتفاقم الأزمات الاقتصادية بسبب انفصال الجنوب وخروج عائدات النفط من الموازنة ,لا يحتمل  هذه المغامرات . ويبدو أن النظام لم يتعلم من ماضيه البائس , فسياساته الطائشة على مدى سنوات حكمه لم تحقق أي نجاح يذكر , بل ألحقت كثير من الأذى بالبلد بل وحتى النظام نفسه ..ولم يجني منها سوى استعداء العالم والاقليم . وقد يسأل
سائل عن ما يسمى بالبرلمان أو مجلس الشعب , إنه للاستهلاك ولا طائل من ورائه , من يستطيع أن يناقش الحاكم المطلق فيما يذهب اليه مع تلك الجهة او غيرها , ومن يستطيع أن يقول هذا الشئ غير صحيح او يحتاج الى تعديل أو وقفات عنده ؟!
أن تكون قطر داعمة للسودان ,فعلى العين والرأس والتقدير والاحترام . ولكن يكون حاكمنا وحكومتنا بغيبوبة منفذة سياسات دول أخرى فهذا شئ لا يطاق!
أن تكون مع الصين للتنمية والارتقاء هذا شئ عظيم ,ولكن انظر لحال من ذهبوا وراء روسيا كيف دمروا بلدانهم .
السودان الآن إما أن يكون أو لا يكون ..فالأخطار تحدق به من كل جانب ..ويحتاج الى رجل (أو إمرأة )رشيد يوقف هذا الحاكم , ويضع حدا لهذا الهوى الشخصي .
                           أسماء عبد اللطيف

 http://www.raialyoum.com/?p=71292