الاثنين، 7 ديسمبر 2015

    حول المناخ و  الاستثمار في المزيد من التلوث
ما أن تنتهي قمة المناخ المنعقدة بفرنسا , ونحن في نهاية العام الميلادي , وإلا سنشهد المزيد من ويلات المناخ , زوابع وعواصف وسيول , ولن تتراجع الويلات في الطبيعة , طالما أصبح الفساد هو الفن الجديد والمتزيء برداء العلاقات العامة , والبروباغندا , وعلما من علوم الأتكيت والظرف . وعلى فقراء العالم المسحوقين في كل مكان المراقبة والنظر وافتراش الأرض الخواء وإلتحاف السماء البعيدة .
حسب منظمة الصحة العالمية فإن هناك بينات كافية تدل على أن إزدياد النشاط البشري أدى إلى تغيرات خطيرة في المناخ , فإنبعاثات الغازات الدفيئة تتسبب في الاحتباس الحراري , والذي تسبب في موجات حر وأعاصير وفيضانات وسيول في مناطق من العالم لم تشهدها من قبل . وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن أكبر الضرر الذي تسببه التغيرات المناخية سيكون واقعا على الدول النامية ذات البنى التحتية الضعيفة , ولا بد أن تتلقى الدعم الكافي .
هل ننتظر من مؤتمرات المناخ أن تقدم لنا عملا مستمرا , يقلل انبعاث الغازات الدفيئة وبالتالي يخفض درجات الحرارة في الصيف الذي أصبح غائظا ملتهبا حارقا أو يعطي الدفء في الشتاء الذي أصبح لاسعا قارسا قارصا ؟ إننا لا ننتظر أن تعود الأرض بين عشية وضحاها جنة أو بستان هدوء وسكون كما في القرن السابع عشر أو الثامن عشر , وذلك لأن المراقب لنشوء وتطور الصناعات في القرن العشرين , وكذا قيام الحروب وكثافة الأسلحة التى استخدمت فيها , بدءا من الحرب العالمية الأولى وليس انتهاءا بالكيماوي والبراميل المتفجرة في الحرب الأهلية في سوريا , لا يخفى عليه الفساد في كل هذه الحروب , فهو شئ لا يصدق . وإنك إذا ذهبت للأرقام سترى عجبا .
وهناك جانب آخر لا يدعونا للتفاؤل , ألا وهو ما تنتجه المصانع العملاقة في الدول المتقدمة , فحسب تقديرات الامم المتحدة إن انتاج العالم من النفايات الخطرة يفوق 700 مليون طن تسهم الولايات المتحدة ب80% منها , وما تخلفه هذه المصانع من مخلفات أو نفايات تم التخلص منها بدفنها في دول العالم الثالث أو بإلقاءها في أعماق المحيطات  والبحار والأنهار , وقد تسببت في  فساد كل الأجواء وإننا لنرى ونلمس عذاباتها في كل حين . إن انتشار أمراض السرطان وتشوهات الأجنة في كثير من الدول العربية لهو أكبر دليل , ففي السودان تعود قضية دفن النفايات الخطرة إلى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي و حسب مواقع إعلامية سودانية ومصرية فإنه تم دفن نفايات نووية أمريكية وغيرها عبر شركة ألمانية  في الأراضي السودانية بموافقة الحكومات في ذلك الوقت مقابل مليارات الدولار والتي كان عذرهم أن البلد تحتاجها لإنشاء مشاريع تنموية , والسؤال الذي يلح عليك : لِمَن تقام المشاريع التنموية وهم يدمرون الإنسان ؟ وفي الجزائر ما زالت تتفاعل قضية النفايات والتجارب النووية التي أجرتها فرنسا في جنوب الجزائر  ابان حقبة استعمارها , والتي تحاول فرنسا رفع المسئولية عنها بدفع تعويضات بينما تصر الجزائر على أن تتحمل باريس مسئوليتها الكاملة بتنقية البيئة والمحيط من الاشعاعات الذرية التي لوثت الشجر والحجر وتسليم الجزائر خرائط لمواقع النفايات المدفونة . ومثال آخر وليس أخير النفايات في منطقة الخليج العربي التي شهدت حربين في أقل من عقدين من الزمان وما خلفته من يورانيوم منضب عمل على تلويث البيئة بالاشعاع لآلاف السنين القادمة ونفايات دفنها الأمريكان خلال فترة الحرب . وبناء على ذلك فإن معظم ما نشاهده من فساد فمصدره هو الغرب و أمريكا , وليس للعرب أو الأفارقة يد في أي تغيير تعاني منه اليوم .
ونحن نشاهد هذا الاجتماع الضخم في مدينة لابروجيه بفرنسا , أكثر من مئة وخمسين دولة , هذا الاجتماع بكل ما تم فيه من صرف ضخم , لو وظِّف لصالح اللاجئين والمهاجرين لكفاهم , ولكن بروز البروباغندا في العلاقات العامة في وقتنا لن يدع أي خير يصل إلى مستحقيه . لكنك تجد ما رشح عن اجتماع باريس أن الرئيس هولاند وعد أفريقيا بمنحة ملياري دولار , لمواجهة تغير المناخ .إن أولاند لا يتفضل على أفريقيا بمنحته هذه ,إنما هي بضاعتها ردت إليها ؟ وإنك لتسأل عن مقدار ما تستخرجه فرنسا في وقتنا الحالي من خيرات أفريقيا وتدعم به حكومتها واقتصادها , ولا تنعم أفريقيا سوى بالفقر والمزيد من النزاعات والبلوى . ماذا نعرف جميعا عن ملفات اليورانيوم والماس والذهب وغيرها من المعادن النفيسة . والأفارقة رغم غنى أراضيهم بالخيرات فلهم الموت وراء لقمة العيش والسكن في مدن الصفيح والمستنقعات .
وإنك لتسأل إذا كان الكبار السبعة أو العشرة وبلدانهم هم من تسبب في تغيير المناخ , فما دور البقية الباقية من هذا العدد الضخم المجتمع في فرنسا وليس لهم ما يقدمونه لإصلاح ما فسد ؟ ولكنها العلاقات العامة في السياسة الدولية تجعلك ترى وزراء البيئة في البلدان العربية والأفريقية وهم يحتلون المقاعد البارزة ويجرون اللقاءات الإعلامية , وخلفهم عصابات الإتفاقيات السرية لدفن مخلفات المصانع و النفايات الخطرة . إن هؤلاء القوم ليس لهم من رحمة في قلوبهم , فهم يعلمون مقدار ما يسببونه من أذى وأمراض وآلام لاهليهم . وأضف إلى ذلك ما وافقوا عليه من قطع للغابات وتصحر أراضيهم , ثم يظهر وزير البيئة وبكل صورته المتأنقة وكلماته المنمقة ليعطينا كذبا تفاؤل المستقبل وما سوف نراه من حزام أخضر ومن إهتمام أكبر بالبيئة خلال السنوات القادمة .
من هنا فلا تتعجب على المنحة الفرنسية لأفريقيا ملياري دولار , فالحكومة الفرنسية تعلم أنه في كل دقيقة يدخل إلى حسابها آلاف الدولارات من الخيرات الأفريقية .
ولا تتعجب إن لم يتم مؤتمر المناخ بفوائد عاجلة أو آجلة , لأن الذين يستثمرون في زماننا قد ابتكروا آلاف الطرق الجديدة لفتح أبواب الاستثمار . وهل نصدق أن يتنازل الأغنياء عن غناهم وأصحاب المصانع العملاقة عن مصانعهم ؟! وهم بمقدورهم أن يتجهوا إلى مجالات الطاقة البديلة النظيفة , ولكن رأس المال لا يحب المجازفة بأي صرف جديد , ولكنهم في مجال الإنتاج يتجهون إلى تكنولوجيا الروبوت الذي بموجبه يستغنى عن الآلاف من الأيدي العاملة .
وإنك لتسأل منذ انعقاد أول مؤتمر للمناخ , ماهي الدولة التي عملت تخفيض الانبعاثات لديها واستخدمت طاقة بديلة على نطاق واسع , وعلى عكس ذلك تجد كل يوم تنضم دولة جديدة للنادي النووي , بتركيب محطات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية , في بلدان تسطع شمسها معظم أيام السنة وصحاريها ذات مساحات شاسعة . وعن صناعة السيارات التي تنتج المصانع الآلاف منها يوميا , لا هي أنتجت سيارات صديقة للبيئة ولا هي استخدمت طاقة نظيفة في خطوط انتاجها تقلل من انبعاث الغازات الدفيئة .

هل يا ترى سيأتي يوم تعمل فيه هذه المؤتمرات على معالجة الأخطاء أم أنها ستكون استمرار للاستثمار فيما ينتج تغير مناخي أكبر ؟!

الجمعة، 4 ديسمبر 2015

الخروج من الأزمة الاقتصادية عبر بوابة إسرائيل 

الأزمة الاقتصادية في السودان مسكوت عنها و عن أبعادها , وعن الذي خلفته من دمار إنساني واجتماعي , وفكفكت كل ما هو جميل وعزيز وغالٍ . برغم أعداد الصحف الكثيرة والواجهات الفضائية إلا أنك لا تجد من يملّك الناس حقائق هول الكارثة المنتظرة والمحدِّقة بالجميع . وأنت تسمع أن استثمارات ضخمة للطغمة الحاكمة بالسودان في ماليزيا وغيرها من الدول التي فشلوا أن يلحقوا بركبها , وأن يسعدوا مواطنيهم كما أسعدت تلك الدول مواطنيها . إنه الفساد والخوض في الأموال بقوة وعنف , وغسيل الأموال والتلاعب المستمر , ولا شفافية تلوح في الأفق لمن خاض في ذلك , بل يكافأ بمنحة سفارة هنا أو قنصلية هناك .
ولترى معي سُمك هذا الحبل الخانق اقتصادياً , فسوف آخذكم إلى ثلاث جولات تحدث أصحابها عن البحث عن حلول للخروج من أزمة البلد الاقتصادية :
الأول هو حسين خوجلي صاحب قناة أم درمان , قال : أن جميع الدول العربية لها علاقات مع إسرائيل . وتساءل : لماذا علاقتنا مع أمريكا مقفلة , وكل العرب لهم علاقات مع إسرائيل وأمريكا وأمورهم طيبة ؟
 وماذا فعلنا لأمريكا حتى تعاقبنا اقتصادياً ؟ ثم نادى ألا تقيدونا بأفكار عفى عنها الزمن . أهي دعوة للخروج من الطحن الاقتصادي وحبله المفتول حول الأعناق ؟ وهل ستلقى دعوة هذا الإعلامي الإنقاذي أذناً صاغية  ؟ أم أنه التوجه الجديد لرجالات الإنقاذ محاولة منهم للخروج من عنق الزجاجة حتى لو كان بالتحالف مع الشيطان ؟
أما الدعوة الثانية للتوجه نحو إسرائيل فكانت عبر برنامج في الواجهة حينما نادى البلال الطيب ( صحفي محسوب على المؤتمر الوطني الحاكم ) وهو ينقل مداولات الحوار الوطني , فسأل أحدهم , لا يحضرني اسمه , وقال له : أنت تدعو إلى العلاقة مع إسرائيل , فكان أن تحدث هذا المدعو عن إسرائيل وعن أننا لا يجب أن تكون لنا علاقة مقطوعة مع أي دولة كانت .
أما الدعوة الثالثة فكانت صريحة ومن خلال خطبة الجمعة (4 ديسمبر 2015 , بمسجد الشهيد ) والتي وظفها الشيخ بكاملها ليقول لنا أن ثورة الإنقاذ ثورة مستمرة منذ ربع قرن وأن الثورة المضادة كذلك مستمرة , ثم عرج إلى اليهود وذكر محاسنهم في العقل والتفكير و أن 50% ممن نالوا جوائز نوبل كانوا يهوداً , و أخذ يكرر آية ( وبشروه بغلامٍ عليم ) ومغزى ذلك أن على حكومتنا أن تقدم التنازلات . فياللعجب من حكومة حافظوا على استمراريتها بكل الخبث والدهاء والمكر وتعجر أن تجد حلولاً للأزمة الاقتصادية إلا بهذا الكلام الهزيل والدعوات إلى التوجه إلى إسرائيل حتى ينالوا رضاها لترضى عنهم أمريكا .
ومن عجبٍ والاقتصاد متدهور متدني تجد الرئيس الحاكم , والذي كل أموره وأمور جماعته وآله وصحبه على أحسن حال , ويقول أن متوسط دخل الفرد في السودان يساوي 2500 دولاً أمريكي , ولعله يقصد متوسط دخل الفرد خلال ربع قرن من الزمان . ولكن ربما أن الرجل لم يخطأ لأنك بنظرة فاحصة ثاقبة تجد أن كل سوداني بسيط يحتاج الآن لكي يعيش شهره بسلام إلى 2500 دولار و هي تساوي ما يقارب 27 مليون جنيه سوداني , قسِّموها على الإيجار والأكل والشرب والكهرباء والمواصلات والعلاج ومصاريف المدراس والمجاملات إن وجدت , فسيكون المبلغ شبه كاف في ظل الغلاء الطاحن و رفع الدعم عن السلع الأساسية .
أما من ناحية ثانية إذا قست كلام الرئيس حول دخل الفرد السوداني و أنه يساوي 2500 دولار في الشهر , إذا قست هذا المبلغ برواتب الوزراء والوكلاء والنواب والمعتمدين والمحافظين والولاة والأمن العام والخاص وكبار الضباط وزعماء إتحادات الطلاب فسوف تجد أن هذا المبلغ صحيح لما يتمتع به الواحد من مزايا وبدلات , فقبل عدة سنوات قيل أن راتب رئيس الدولة 60 مليون جنيه ولعل البقية دخلها يساوي أكثر مما ذكره الرئيس . وإن كان منصفا فليذكر لنا عدد العاطلين عن العمل وعدد الذين خرجوا من البلد إبتغاء الرزق . في العام 2015، والذي لم ينقض بعد، تجاوز عدد المهاجرين خمسة وسبعين ألفًا معظمهم من الأطباء والكوادر التعليمية، حسب تقرير حكومي صدر عن وزارة العدل . 
والحديث عن الأزمة الاقتصادية يأخذك إلى الكلام الذي يكثر في كل صباح حول الاستثمار وفرص الاستثمار . إننا بصدد ويكيلكس جديد يكشف لنا خبايا الاستثمار في السودان , من هم الذين استفادوا و يستفيدون منه ؟ . وقد وردت لنا الأخبار أن حجم الاستثمارات السعودية في السودان يقارب 11 مليار دولار . فهل عمل المستثمر مع حكومتنا على المساعدة في حل مشكلة العاطلين عن العمل . وما هي مجالاتهم الحقيقية ؟ , فمنذ نشوء ما يسمى بوزارة الاستثمار أو غيرها من المسميات لم يلمس أبناء السودان أي تحسن لحالتهم الاقتصادية و حياتهم المعيشية , بل هي في تدني من عام لآخر .
في الوقت الذي تذكر فيه بعض الأخبار الخجولة عن حجم الاستثمار في السودان وما يشوبه من فساد - بدءاً بالفساد في أموال البترول ولن ينتهي بالشركة الروسية المنقبة عن الذهب , والتي في سابقة لا مثيل لها ظهرت حقيقتها بأنها ليست روسية وإنما يملكها متنفذين في الحكومة - فإن أهل حكومتنا لهم من الاستثمار في ماليزيا ما يفوق 13 مليار دولار , بما يمثل 7% من رأس المال الأجنبي في ماليزيا , أما في أثيوبيا فإن السودان هو ثاني أكبر مستثمر بعد الصين . هذا الاستثمار الخارجي للسودانيين في البلدان الأخرى , فإن أهل الحكومة إذا أنكروا أنهم من يستثمر , فإنك تذهب إلى أنهم تسببوا في هروب رأس المال الوطني إلى الخارج , بسبب سياسات تجعل المرء في حيرة من أمره , فكيف تحافظ على أموالك في بلد يحكم بمئات المسميات من الضرائب والجبايات ؟
من هنا تعلم حرارة هذه الدعوات في السودان للخروج من الأزمة الاقتصادية عبر بوابة إسرائيل وحتى بالتحالف مع الشيطان .

الأربعاء، 2 ديسمبر 2015

  تداعيات أزمة الغاز :
هل الحكومة في خدمة الشعب أم الشعب في خدمة الحكومة؟ّ! 
إننا في زمن الانصراف .. وكما في تراثنا (الناس في شنو والحسانية في شنو) فهذا المعنى هو الصحيح لما يجري في وقتنا الحاضر  .
 خرِّب هدِّم ودمِّر وتعال وخاطب الناس بعكس ما فعلت وقدمت , نادي في الناس من كل حدب وصوب حتى تقول لهم أنا من عمَّر وبنى وشاد ورفع البنيان عاليا , لا تصدقوا أقوال المرجفين بأنني أنا من دمَّر وخرَّب وهدَّم . أنا وجماعتي عظماء جئنا لإنقاذكم , ألآ ترون أننا في إنقاذ مستمر متواصل منذ ربع قرن من الزمان . ألا ترون أننا وفرنا الماء والكهرباء والغذاء والماء والغاز , وأننا انتقلنا بكم من مراحل الطهي على الحطب والفحم , وقدنا ركبكم إلى المايكرويف وما وراء التقنية الحديثة . ونحن من أدخلناكم إلى ساحة العلم , ألآ ترون انتشار الجامعات وانتشار المستشفيات الخاصة , ونحن من قلَّص الأمراض لأننا نشرنا الشفاء والهناء والنماء , فنحن أهل الوطنية والهوية .ذاك قولهم .
إن أزمة الغاز الحالية تعطيك أقوى معاني الانصراف والهروب نحو إخفاء السوءة , فطفقوا يخصفون عليهم من ورق الحوار . هل الحوار الحالى يساعد في إشعال النار للطهو ؟!
إن الحوار الذي لا يهتم بمشكل الغاز والمواصلات ويعمل على راحة المواطن , والحوار الذي يجعل من أهل الوطن أهل الأخطاء , وأن أهل النظام هم السائرون في الإتجاه الصحيح , ليس هو ذا شأن .  و لن يكون الحوار حقيقي إلا إذا جاء كل رجالات النظام - والذي هو لا نظام بل الفوضى – ويعترفون أمام شعبهم الصابر الصامد المعبأ بالجراح بأنهم كانوا في أخطاء شنيعة قضت على الأخضر واليابس . وأن الأوان قد آن لبداية صفحة جديدة يتم فيها تسليم الراية لأبناء الوطن المخلصين , ليتم ارجاع ما يمكن ارجاعه من مقدرات الشعب ومحاسبة كل من ولغ في دماء المواطنين الآمنين الأبرياء . ولا بارقة أمل تلوح في الأفق , إنه عشم إبليس بالجنة , فأهل (الانتكاس) سادرون في غيِّهم , وعليه فعلى الشعب أن يصنع آماله ويبني مستقبله ويقول كلمته وينزع الراية ليسلمها لمن يصدق ويسمو ويسمق . ولعلك تسأل يا رعاك الله : أيأتي هذا في ظل الفوضى والغيبوبة والموت السريري للطرفين ؟!
ويتواصل الحوارويستمر انقطاع الغاز , ولعل مبالغ الشهرين من الصرف لأهل الحوار كانت تكفي لاصلاح هذا الانقطاع . ولعلك تسأل عن دعم الدوحة للحوار في دار فور , ألم يكن من بنود ما يدعم الغاز ..
إن السواد الأعظم من الناس الصامتة هي في أمس الحاجة لتوفير الغاز والغذاء والدواء والماء والكهرباء , ونشر الشفاء والهناء والنماء , وعلى الحكومة ألا تنصرف عن شعبها بالمؤتمرات والاجتماعات والتداولات والحوارات وتمزيق الجماعات  . ولكن من تمرس بخيرة إقامة الندوات والمؤتمرات والحوارات التي لا ثمرة تجنى منها , لن يصغي لأصوات الضعفاء والتعساء , بل سيواصل الانصراف يوما بعد يوم . وعلى من فقد الغاز أن يسلي نفسه بحل الألغاز ...

الثلاثاء، 1 ديسمبر 2015

فضائيات الوهم الاجتماعي
اشتهر في مدينة القضارف، شرق السودان، شخص يُدعى "الفكي أبو نافورة"، وقصته ترجع إلى عام 1967، عندما ضرب الجفاف المدينة، واتجه أبناؤها إلى البحث عن المياه الجوفية، وبدؤوا بحفر بئر ارتوازية، وكانت المفاجأة بعد أن حفر المهندسون عميقًا أن اندفعت المياه بضغط عالٍ إلى عنان السماء، ففروا خوفًا. إثر ذلك انتشرت إشاعة في البلاد وهي أن مفجِّر هذه البئر هو شيخ لُقب "الفكي أبو نافورة" وأشيع أن الماء المنبثق عنها يعالج كل داء. وتوافد الناس من جميع أنحاء السودان يطلبون التداوي من أمراضهم ومِنهم مَن يطلب الرزق ومِنهم مَن يطلب الزواج. كان ذلك في وقت انتشرت فيه الأمية وساد فيه الجهل
أما اليوم، فالمتأمل في إعلانات بعض الفضائيات العربية يجد "الفكي أبو نافورة" وبئره ولكن في صورة حديثة. من السهل في التلفزيون أن تجد إعلانات لـ"أصحاب الطريقة النورانية الروحانية لعلاج السحر والمس وطرد الشياطين" وأخرى لـ"رد المطلقة والهارب وتحويط الجن وفك المربوط وإسعاد العاجز وترحيل الأشرار والظالمين من المنازل ودفع الحسد وفك التابع وطرد القرين ورجوع الغائب". وإذا واصلت المشاهدة فستجد "علاج العجز الجنسي والعقم وغير ذلك
أرقام الهاتف متوفرة ومتعددة على الشاشات، كما تتعدد جنسيات الشيوخ، فتجد الشيخ المغربي الذي يجلب الحبيب في عشر دقائق، والشيخ السوداني الذي يعالج من العجز الجنسي ويرد للمجنون عقله والشيخ الهندي الذي يفك السحر الأسود والسحر الأحمر والسحر الهندي وغيرهم وظهرت نساء يكشفن ما قُدر لك في مستقبل أيامك. لم يبق لهؤلاء القوم إلا القول بأنهم يردون الروح للميت
لكن في الحقيقة فليدعوا ويقولوا ما يشاؤون، إن الخطأ هو خطأ المشاهد والمتابع لهذه القنوات أساسًا وخطأ الذين ذهبوا إلى تصديقهم والترويج لهم. لكن قد لا يتحملون وحدهم كل الوزر لأن انتشار ظاهرة أصحاب القوة الخارقة وأصحاب الضعف المهين إنما هي نتاج ما لدينا من حكومات تستثمر في التفاهة وتسوِّق للدجل والشعوذة، بعدما فشلت في إقامة تنمية حقيقية تعمل على تطوير الإنسان والسير إلى المستقبل.
إن برزت هذه الظاهرة في خمسينيات أو ستينيات القرن الماضي، لالتمسنا لأبناء تلك الحقبة العذر حيث كانت تسود الأمية والجهل، ولكن الآن مع انتشار العلم والعولمة وازدياد أعداد المتعلمين والمتخرجين من الجامعات والذين نالوا أرفع الدرجات، ما عذر البعض وهم يركضون إلى شيخ متهالك في غرفة مظلمة معبأة بالبخور والسموم حتى ينال منه بعض أمل أو وعد بتغيير؟ ويبلغ العجب منتهاه عندما تجد أصحاب أعلى الشهادات العلمية وأرقى المناصب السياسية يزورون هؤلاء المشعوذين.
إنه بحق زمن الخواء وزمن الحكومات التي تقود أفرادها إلى الفراغ. والنفس البشرية إن لم نشغلها بالحق، انشغلت بالباطل، فلا تنمية ولا مشاريع ناجحة ولا أمل يلوح في الأفق يوعدنا بحل جميع مشاكلنا وقضايانا الملحة مثل البطالة والتدني الاقتصادي.
لا يمكن نفي أننا أمة تؤمن بأن للأنبياء معجزات أيدهم الله بها، لكن وجب النظر إليها في سياقها وأطرها، ولكن أن يخرج علينا في زماننا من يضعون أنفسهم موضع الأنبياء، وبعضهم ينسب لنفسه ما اختص به ربنا سبحانه وتعالى، فذلك ما لا يقبله عاقل. وإننا نطالب أساتذة وطلاب علم الاجتماع وعلم النفس أن يدرسوا هذه الظاهرة لخطرها واستثمارها في الوهن الاجتماعي والضعف المجتمعي. إنها مخدر أشد فتكًا من المخدرات وعلى الباحثين والعلماء أن يستنبطوا الحل قبل أن تنهار مجتمعاتنا. إن التغيير إذا لم نسعَ إليه لن يأتي، وإن الأمل إذا لم نصنعه فلن يولد من عدم