الجمعة، 4 ديسمبر 2015

الخروج من الأزمة الاقتصادية عبر بوابة إسرائيل 

الأزمة الاقتصادية في السودان مسكوت عنها و عن أبعادها , وعن الذي خلفته من دمار إنساني واجتماعي , وفكفكت كل ما هو جميل وعزيز وغالٍ . برغم أعداد الصحف الكثيرة والواجهات الفضائية إلا أنك لا تجد من يملّك الناس حقائق هول الكارثة المنتظرة والمحدِّقة بالجميع . وأنت تسمع أن استثمارات ضخمة للطغمة الحاكمة بالسودان في ماليزيا وغيرها من الدول التي فشلوا أن يلحقوا بركبها , وأن يسعدوا مواطنيهم كما أسعدت تلك الدول مواطنيها . إنه الفساد والخوض في الأموال بقوة وعنف , وغسيل الأموال والتلاعب المستمر , ولا شفافية تلوح في الأفق لمن خاض في ذلك , بل يكافأ بمنحة سفارة هنا أو قنصلية هناك .
ولترى معي سُمك هذا الحبل الخانق اقتصادياً , فسوف آخذكم إلى ثلاث جولات تحدث أصحابها عن البحث عن حلول للخروج من أزمة البلد الاقتصادية :
الأول هو حسين خوجلي صاحب قناة أم درمان , قال : أن جميع الدول العربية لها علاقات مع إسرائيل . وتساءل : لماذا علاقتنا مع أمريكا مقفلة , وكل العرب لهم علاقات مع إسرائيل وأمريكا وأمورهم طيبة ؟
 وماذا فعلنا لأمريكا حتى تعاقبنا اقتصادياً ؟ ثم نادى ألا تقيدونا بأفكار عفى عنها الزمن . أهي دعوة للخروج من الطحن الاقتصادي وحبله المفتول حول الأعناق ؟ وهل ستلقى دعوة هذا الإعلامي الإنقاذي أذناً صاغية  ؟ أم أنه التوجه الجديد لرجالات الإنقاذ محاولة منهم للخروج من عنق الزجاجة حتى لو كان بالتحالف مع الشيطان ؟
أما الدعوة الثانية للتوجه نحو إسرائيل فكانت عبر برنامج في الواجهة حينما نادى البلال الطيب ( صحفي محسوب على المؤتمر الوطني الحاكم ) وهو ينقل مداولات الحوار الوطني , فسأل أحدهم , لا يحضرني اسمه , وقال له : أنت تدعو إلى العلاقة مع إسرائيل , فكان أن تحدث هذا المدعو عن إسرائيل وعن أننا لا يجب أن تكون لنا علاقة مقطوعة مع أي دولة كانت .
أما الدعوة الثالثة فكانت صريحة ومن خلال خطبة الجمعة (4 ديسمبر 2015 , بمسجد الشهيد ) والتي وظفها الشيخ بكاملها ليقول لنا أن ثورة الإنقاذ ثورة مستمرة منذ ربع قرن وأن الثورة المضادة كذلك مستمرة , ثم عرج إلى اليهود وذكر محاسنهم في العقل والتفكير و أن 50% ممن نالوا جوائز نوبل كانوا يهوداً , و أخذ يكرر آية ( وبشروه بغلامٍ عليم ) ومغزى ذلك أن على حكومتنا أن تقدم التنازلات . فياللعجب من حكومة حافظوا على استمراريتها بكل الخبث والدهاء والمكر وتعجر أن تجد حلولاً للأزمة الاقتصادية إلا بهذا الكلام الهزيل والدعوات إلى التوجه إلى إسرائيل حتى ينالوا رضاها لترضى عنهم أمريكا .
ومن عجبٍ والاقتصاد متدهور متدني تجد الرئيس الحاكم , والذي كل أموره وأمور جماعته وآله وصحبه على أحسن حال , ويقول أن متوسط دخل الفرد في السودان يساوي 2500 دولاً أمريكي , ولعله يقصد متوسط دخل الفرد خلال ربع قرن من الزمان . ولكن ربما أن الرجل لم يخطأ لأنك بنظرة فاحصة ثاقبة تجد أن كل سوداني بسيط يحتاج الآن لكي يعيش شهره بسلام إلى 2500 دولار و هي تساوي ما يقارب 27 مليون جنيه سوداني , قسِّموها على الإيجار والأكل والشرب والكهرباء والمواصلات والعلاج ومصاريف المدراس والمجاملات إن وجدت , فسيكون المبلغ شبه كاف في ظل الغلاء الطاحن و رفع الدعم عن السلع الأساسية .
أما من ناحية ثانية إذا قست كلام الرئيس حول دخل الفرد السوداني و أنه يساوي 2500 دولار في الشهر , إذا قست هذا المبلغ برواتب الوزراء والوكلاء والنواب والمعتمدين والمحافظين والولاة والأمن العام والخاص وكبار الضباط وزعماء إتحادات الطلاب فسوف تجد أن هذا المبلغ صحيح لما يتمتع به الواحد من مزايا وبدلات , فقبل عدة سنوات قيل أن راتب رئيس الدولة 60 مليون جنيه ولعل البقية دخلها يساوي أكثر مما ذكره الرئيس . وإن كان منصفا فليذكر لنا عدد العاطلين عن العمل وعدد الذين خرجوا من البلد إبتغاء الرزق . في العام 2015، والذي لم ينقض بعد، تجاوز عدد المهاجرين خمسة وسبعين ألفًا معظمهم من الأطباء والكوادر التعليمية، حسب تقرير حكومي صدر عن وزارة العدل . 
والحديث عن الأزمة الاقتصادية يأخذك إلى الكلام الذي يكثر في كل صباح حول الاستثمار وفرص الاستثمار . إننا بصدد ويكيلكس جديد يكشف لنا خبايا الاستثمار في السودان , من هم الذين استفادوا و يستفيدون منه ؟ . وقد وردت لنا الأخبار أن حجم الاستثمارات السعودية في السودان يقارب 11 مليار دولار . فهل عمل المستثمر مع حكومتنا على المساعدة في حل مشكلة العاطلين عن العمل . وما هي مجالاتهم الحقيقية ؟ , فمنذ نشوء ما يسمى بوزارة الاستثمار أو غيرها من المسميات لم يلمس أبناء السودان أي تحسن لحالتهم الاقتصادية و حياتهم المعيشية , بل هي في تدني من عام لآخر .
في الوقت الذي تذكر فيه بعض الأخبار الخجولة عن حجم الاستثمار في السودان وما يشوبه من فساد - بدءاً بالفساد في أموال البترول ولن ينتهي بالشركة الروسية المنقبة عن الذهب , والتي في سابقة لا مثيل لها ظهرت حقيقتها بأنها ليست روسية وإنما يملكها متنفذين في الحكومة - فإن أهل حكومتنا لهم من الاستثمار في ماليزيا ما يفوق 13 مليار دولار , بما يمثل 7% من رأس المال الأجنبي في ماليزيا , أما في أثيوبيا فإن السودان هو ثاني أكبر مستثمر بعد الصين . هذا الاستثمار الخارجي للسودانيين في البلدان الأخرى , فإن أهل الحكومة إذا أنكروا أنهم من يستثمر , فإنك تذهب إلى أنهم تسببوا في هروب رأس المال الوطني إلى الخارج , بسبب سياسات تجعل المرء في حيرة من أمره , فكيف تحافظ على أموالك في بلد يحكم بمئات المسميات من الضرائب والجبايات ؟
من هنا تعلم حرارة هذه الدعوات في السودان للخروج من الأزمة الاقتصادية عبر بوابة إسرائيل وحتى بالتحالف مع الشيطان .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق