الاثنين، 7 ديسمبر 2015

    حول المناخ و  الاستثمار في المزيد من التلوث
ما أن تنتهي قمة المناخ المنعقدة بفرنسا , ونحن في نهاية العام الميلادي , وإلا سنشهد المزيد من ويلات المناخ , زوابع وعواصف وسيول , ولن تتراجع الويلات في الطبيعة , طالما أصبح الفساد هو الفن الجديد والمتزيء برداء العلاقات العامة , والبروباغندا , وعلما من علوم الأتكيت والظرف . وعلى فقراء العالم المسحوقين في كل مكان المراقبة والنظر وافتراش الأرض الخواء وإلتحاف السماء البعيدة .
حسب منظمة الصحة العالمية فإن هناك بينات كافية تدل على أن إزدياد النشاط البشري أدى إلى تغيرات خطيرة في المناخ , فإنبعاثات الغازات الدفيئة تتسبب في الاحتباس الحراري , والذي تسبب في موجات حر وأعاصير وفيضانات وسيول في مناطق من العالم لم تشهدها من قبل . وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن أكبر الضرر الذي تسببه التغيرات المناخية سيكون واقعا على الدول النامية ذات البنى التحتية الضعيفة , ولا بد أن تتلقى الدعم الكافي .
هل ننتظر من مؤتمرات المناخ أن تقدم لنا عملا مستمرا , يقلل انبعاث الغازات الدفيئة وبالتالي يخفض درجات الحرارة في الصيف الذي أصبح غائظا ملتهبا حارقا أو يعطي الدفء في الشتاء الذي أصبح لاسعا قارسا قارصا ؟ إننا لا ننتظر أن تعود الأرض بين عشية وضحاها جنة أو بستان هدوء وسكون كما في القرن السابع عشر أو الثامن عشر , وذلك لأن المراقب لنشوء وتطور الصناعات في القرن العشرين , وكذا قيام الحروب وكثافة الأسلحة التى استخدمت فيها , بدءا من الحرب العالمية الأولى وليس انتهاءا بالكيماوي والبراميل المتفجرة في الحرب الأهلية في سوريا , لا يخفى عليه الفساد في كل هذه الحروب , فهو شئ لا يصدق . وإنك إذا ذهبت للأرقام سترى عجبا .
وهناك جانب آخر لا يدعونا للتفاؤل , ألا وهو ما تنتجه المصانع العملاقة في الدول المتقدمة , فحسب تقديرات الامم المتحدة إن انتاج العالم من النفايات الخطرة يفوق 700 مليون طن تسهم الولايات المتحدة ب80% منها , وما تخلفه هذه المصانع من مخلفات أو نفايات تم التخلص منها بدفنها في دول العالم الثالث أو بإلقاءها في أعماق المحيطات  والبحار والأنهار , وقد تسببت في  فساد كل الأجواء وإننا لنرى ونلمس عذاباتها في كل حين . إن انتشار أمراض السرطان وتشوهات الأجنة في كثير من الدول العربية لهو أكبر دليل , ففي السودان تعود قضية دفن النفايات الخطرة إلى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي و حسب مواقع إعلامية سودانية ومصرية فإنه تم دفن نفايات نووية أمريكية وغيرها عبر شركة ألمانية  في الأراضي السودانية بموافقة الحكومات في ذلك الوقت مقابل مليارات الدولار والتي كان عذرهم أن البلد تحتاجها لإنشاء مشاريع تنموية , والسؤال الذي يلح عليك : لِمَن تقام المشاريع التنموية وهم يدمرون الإنسان ؟ وفي الجزائر ما زالت تتفاعل قضية النفايات والتجارب النووية التي أجرتها فرنسا في جنوب الجزائر  ابان حقبة استعمارها , والتي تحاول فرنسا رفع المسئولية عنها بدفع تعويضات بينما تصر الجزائر على أن تتحمل باريس مسئوليتها الكاملة بتنقية البيئة والمحيط من الاشعاعات الذرية التي لوثت الشجر والحجر وتسليم الجزائر خرائط لمواقع النفايات المدفونة . ومثال آخر وليس أخير النفايات في منطقة الخليج العربي التي شهدت حربين في أقل من عقدين من الزمان وما خلفته من يورانيوم منضب عمل على تلويث البيئة بالاشعاع لآلاف السنين القادمة ونفايات دفنها الأمريكان خلال فترة الحرب . وبناء على ذلك فإن معظم ما نشاهده من فساد فمصدره هو الغرب و أمريكا , وليس للعرب أو الأفارقة يد في أي تغيير تعاني منه اليوم .
ونحن نشاهد هذا الاجتماع الضخم في مدينة لابروجيه بفرنسا , أكثر من مئة وخمسين دولة , هذا الاجتماع بكل ما تم فيه من صرف ضخم , لو وظِّف لصالح اللاجئين والمهاجرين لكفاهم , ولكن بروز البروباغندا في العلاقات العامة في وقتنا لن يدع أي خير يصل إلى مستحقيه . لكنك تجد ما رشح عن اجتماع باريس أن الرئيس هولاند وعد أفريقيا بمنحة ملياري دولار , لمواجهة تغير المناخ .إن أولاند لا يتفضل على أفريقيا بمنحته هذه ,إنما هي بضاعتها ردت إليها ؟ وإنك لتسأل عن مقدار ما تستخرجه فرنسا في وقتنا الحالي من خيرات أفريقيا وتدعم به حكومتها واقتصادها , ولا تنعم أفريقيا سوى بالفقر والمزيد من النزاعات والبلوى . ماذا نعرف جميعا عن ملفات اليورانيوم والماس والذهب وغيرها من المعادن النفيسة . والأفارقة رغم غنى أراضيهم بالخيرات فلهم الموت وراء لقمة العيش والسكن في مدن الصفيح والمستنقعات .
وإنك لتسأل إذا كان الكبار السبعة أو العشرة وبلدانهم هم من تسبب في تغيير المناخ , فما دور البقية الباقية من هذا العدد الضخم المجتمع في فرنسا وليس لهم ما يقدمونه لإصلاح ما فسد ؟ ولكنها العلاقات العامة في السياسة الدولية تجعلك ترى وزراء البيئة في البلدان العربية والأفريقية وهم يحتلون المقاعد البارزة ويجرون اللقاءات الإعلامية , وخلفهم عصابات الإتفاقيات السرية لدفن مخلفات المصانع و النفايات الخطرة . إن هؤلاء القوم ليس لهم من رحمة في قلوبهم , فهم يعلمون مقدار ما يسببونه من أذى وأمراض وآلام لاهليهم . وأضف إلى ذلك ما وافقوا عليه من قطع للغابات وتصحر أراضيهم , ثم يظهر وزير البيئة وبكل صورته المتأنقة وكلماته المنمقة ليعطينا كذبا تفاؤل المستقبل وما سوف نراه من حزام أخضر ومن إهتمام أكبر بالبيئة خلال السنوات القادمة .
من هنا فلا تتعجب على المنحة الفرنسية لأفريقيا ملياري دولار , فالحكومة الفرنسية تعلم أنه في كل دقيقة يدخل إلى حسابها آلاف الدولارات من الخيرات الأفريقية .
ولا تتعجب إن لم يتم مؤتمر المناخ بفوائد عاجلة أو آجلة , لأن الذين يستثمرون في زماننا قد ابتكروا آلاف الطرق الجديدة لفتح أبواب الاستثمار . وهل نصدق أن يتنازل الأغنياء عن غناهم وأصحاب المصانع العملاقة عن مصانعهم ؟! وهم بمقدورهم أن يتجهوا إلى مجالات الطاقة البديلة النظيفة , ولكن رأس المال لا يحب المجازفة بأي صرف جديد , ولكنهم في مجال الإنتاج يتجهون إلى تكنولوجيا الروبوت الذي بموجبه يستغنى عن الآلاف من الأيدي العاملة .
وإنك لتسأل منذ انعقاد أول مؤتمر للمناخ , ماهي الدولة التي عملت تخفيض الانبعاثات لديها واستخدمت طاقة بديلة على نطاق واسع , وعلى عكس ذلك تجد كل يوم تنضم دولة جديدة للنادي النووي , بتركيب محطات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية , في بلدان تسطع شمسها معظم أيام السنة وصحاريها ذات مساحات شاسعة . وعن صناعة السيارات التي تنتج المصانع الآلاف منها يوميا , لا هي أنتجت سيارات صديقة للبيئة ولا هي استخدمت طاقة نظيفة في خطوط انتاجها تقلل من انبعاث الغازات الدفيئة .

هل يا ترى سيأتي يوم تعمل فيه هذه المؤتمرات على معالجة الأخطاء أم أنها ستكون استمرار للاستثمار فيما ينتج تغير مناخي أكبر ؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق