الأربعاء، 17 أبريل 2019

كلمة حق في وجه معارضة خائرة 

قيل أن أحد المشاغبين قد تاب , وقرر أن يكون إمام جامع , فأمَّ الناس في صلاة جهرية , وعندما أكمل قراءة الفاتحة أمن و أمن المصلون خلفه , فما كان منه إلا أن أخذ عمامته ملوحا بها وهو يهتف أمين أمين , وخرج المصلون خلفه في مظاهرة . نكة كم ضحكنا عليها ونحن صغار ببراءة . وقد يسألني القارئ الكريم : لماذا أوردت هذه النكتة , هل وصلنا بنا الحال إلى هذا الحد ؟ نعم , وأكثر فكل من استطاع أن يجمع حوله بعض عشرات من المواطنين حوله كون له حزبا , و إلا فما التفسير لوجود أكثر من تسعين حزبا مشاركا في الحوار الوطني هذه الأيام ؟ وإن تيسرت سبل الحصول على السلاح صار فصيلا مسلحا , وليس غائب عنا واحد وثلاثين فصيلا مسلحا مشاركا في الحوار الوطني .
وتحضرني أبيات شعر بسيطة , لعلها منسوبة إلى البوفسيور عبدالله الطيب , تقول :
لي قطة صغيرة ..
سميتها سميرة ..
تنام في الليل معي ..
وتلعب بأصابعي ..
بذيلها الطويل ..
وشعرها الجميل ..
ودائما أحبها ..
ولا أريد ضربها ..
هذه الأبيات كلما رددتها تعطيني إحساس بواقع المعارضة , ويعطيني التفكير أن المعارضة نوعان : نوع أليف ونوع متوحش , فالأليف هو كالقطة سميرة , الحكومة تحبها ولا تريد ضربها , بل هي مدللة وجميع الظروف في خدمتها ورعايتها , وعلى الشعب المتضرر أن يلجأ للقضاء , إن كان هنالك قضاء .
أما الأبيات الأخرى , وهي تتحدث عن طائر فر من قفصه باحثا عن الحرية , تقول :
قد كان عندي طائر ** في قفص من خشب
………
ولم أكن أمنعه من ** مأكل أو مشرب
………..
ففرّ عني ومضى ** من دون أدنى سبب
وقال لي حريتي **لا تشترى بالذهب
ومع معاني هذه الكلمات يتجسد لنا النوع الآخر من المعلرضة الذي دخل إلى باحة نظام الإنقاذ , ولكنه اكتشف الأمور المقيدة للحريات والداعمة للقمع , وهو يعنف رغم ما تحصل عليه من (مأكل ومشرب) فإذا به يفر من القفص الجميل , طلبا للحرية الحقة , ولكن الحكومة لن تتركه سوف ترسل له من (جنودها) من يقبض عليه , وهذا ما حصل مع بعض رموز المعارضة أخيرا …
السؤال الذي يطرح نفسه : هل قامت هذه الأحزاب باختلاف أنواعها لحاجة مجتمعية أو أنها قامت على التعايش الفكري أو الأيدلوجي الجاد ؟ ولك أن تسأل أيها المواطن وأيها المهتم بالشأن السياسي , هل هذه هي المعارضة التي نريد ؟ وحتما ستكون الإجابة : لا , إن المواطن يريد معارضة حقيقية مسئولة . ولك أن تسأل يا رعاك الله , هل المعارضة التي تتكاثر كما الجراثيم والأميبيا في مستنقع الانقاذ الآسن , يمكن أن تكون معارضة حقيقية وفاعلة ؟ أم هي فقط منظمات إغاثية تنتشل حكومة (الانتكاس) البائسة كلما ترنحت وكادت أن تسقط ؟ .. ومما يؤسف له أن معظم الأحزاب المتناسلة كالنبت الشيطاني , قائمة على المصلحة الشخصية ولا هم لهم بمصلحة الآخرين أو هم النفعيون الذين يلهثون وراء طلب المال والجاه , نشأوا نتيجة التزوير وشراء الذمم , وهل يرجى من مثل هؤلاء مصلحة للوطن ؟!
إن الديمقراطيات الحقة تنمو وتزدهر بوجود معارضة حقيقية تفوم على اقتفاء أثر السلطة , وإظهار عيوبها ومراقبة أداءها , فهي صمام الأمان والضامن للأمن والاستقرار الاقتصادي وحرية الشعوب . المعارضة الفاعلة همها الأول تطوير المجتمع ورفع وعيه الساسي وتنمية حياته . إن أعظم أمر ونحن نسير في الحوار الذي ندعي عظمته كماله , علينا أن نعرف أننا سوف نرى كل أربعة أعوام رئيسا جديدا وحكومة منخبة , فهذا هو لب الحوار الذي يريده المواطن .
إن كثرة الأحزاب وعدم قدرتها على الإندماج وتكوين كيانات حزبية كبيرة وقوية لهو أمر مؤسف , إن الخطاب متغطرس متعالي مترفع لكل من كون حزب , فهو لا يرى من هو أحق منه برئاسة الحزب مهما تطاولت سنوات بقائه , فكيف ننشد الديمقراطية ومداولة الحكم ممن يفقدونه ؟! إنه لأمر لا يدعو للطمأنينة أو التعويل على هكذا أحزاب .
المراقب للحال السياسي في السودان يجد أن هذه يجد هذه الأحزاب على كثرتها , فلا صوت لها , فكثير من الناس لا يلمون بأسمائها ناهيك عن أفكارها أو أيدلوجياتها , فلسان الحال يقول أنها أحزاب منفصلة عن الواقع بصورة مؤلمة , ففي زمن العولمة لم يفطن من يسمون أنفسهم سياسيون لخطاباتهم , ولم يدركوا أن خطاباتهم يجب أن تكون شرفا للعلم وميثاقا للوعد وعزم على العمل , وأن تكون ملائمة لمتطلبات الجمهور , يكسبوا الدعم اللازم لقيام أحزاب فاعلة .
إن وجع وغبن المواطن العادي ضاربان في روحه عميقا , والشّقة بينه وبين الأحزاب بعيدة , ومهما كثرت الحوارات الوطنية, فإنها هباء منثورا ما لم تغير المعارضة سياساتها وتنبذ التشرذم والتقزم , وتبني وعيا جديدا وتطرح بديل قوي قابل للحياة , وقادر على تلبية الطموحات , وهذا لا يتحقق إلا بالاندماج بين الأحزاب الصغيرة وتوحيد غايتها والترقع عن المكاسب الضيقة أو السياسي العابر , فعندها فقط ستحقق الندية مع الحكومة , وعندها فقط ستضع لها الحكومة ألف حساب وحساب , وتعمل معها بجد لإيجاد مخرج سياسي لمشاكل البلد وحقن الدماء التي سالت بكل وادي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق