السبت، 1 نوفمبر 2014


فرقاء السودان هل يأتون إلى كلمة سواء؟

الحوار سنة من سنن الحياة ، وسبيل من سبل استقامتها ..فقد كان الحوار في السماء بين رب العزة والجلاة وملائكته الكرام في أمر خلق الإنسان ، وكيف أن الله أعطاهم الفرصة كاملة ليدلوا بارآئهم ،رغم أنه خالقهم وهم عباده الطائعين المسبحين ..وأيضا نرى صورة الحوار في صورة جدال الشيطان الرجيم للحق عز وجل ،أبى واستكبر ،ولكن الله تعالى لم يمنعه الحق في إبداء رأيه ، وأن يجادل ويرد عليه.. والأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم جمعيا اتبعوا الحوار في ايصال رسالة السماء ، وتبيين الحق للناس ،وكان جدالهم بالتي هي أحسن..فأخرجوا الناس من الظلمات إلى النور …
ولكن مالنا نرى من يسمون أنفسهم بالإسلاميين في السودان —والذين ما فتئوا يتشدقون بطبيق الشريعة الاسلامية ، وينصبون أنفسهم حماة للدين — ينأون عن هدي الإسلام في الحوار ،والكلم الطيب إلى سقط القول ، وفظاظة الألفاظ ، واحتكار الرأي ،واحتقار الآخر ، وتغييب فضيلة المشورة ؟!ويقول لسان حالهم : حاورني بشروطي أو أشهر في وجهك رايات الغضب !
دعا الرئيس عمر البشير في خطابه الشهير بخطاب الوثبة ، في شهر يناير / كانون الثاني الماضي ، وأتبعه بخطاب آخر منذ أيام ..إلى حوار جامع ..يجنب البلاد مزيدا من الانقسام والتشتت . وتحدث عن الديقراطية وحقوق الإنسان . وأنه يريدالتحرك من أجل أجزاء البلاد التي تعاني وتتألم ،وتمزقها الحروب . فاستبشر الناس خيرا ، وظنوا بالإنقاذ خيرا ،وإنها سوف تعدل من سياساتها التي أوردت البلاد بئر مظلم بعيد القرار …
وتمر الأيام على الخطاب الملئ بالتفاؤل والأمل ..ولا نرى تغيرا ملموسا ، ويبدو أن من يترك عادته قلت سعادته ، فعادت الإنقاذ إلى عادتها القديمة لتأخذ بالشمال ما أعطته باليمين..فإذا بالصحف تصادر ، ودور الجمعياتالمدنية تغلق وتصادر ممتلكاتها ، وتمتلئ السجون بالمعتقلين السياسيين .. لم يتركوا للشعب فرصة أن يهنأ بالأمل ونشوة العطاء الانقاذي !
تعطلت لغة الحوار مع سبق الإصرار ..وعاد الشعب بخيبته إلى معاناته ، حيث لا غذاء ولا دواء ولا كساء ، بعد رفع الدعم عن السلع الأساسية .. والشباب يعاني من البطالة والتهجير .. والحكومة مستمرة في ممارسة سياسة الكذب والقلب القاسي ، وتقتل بدم بارد كل من يعارض أو يطالب بشفافية محاكمة الفاسدين …
طبقات ركام الآلام بعضها فوق بعض .. والعجيب أن يخرج من بينها صوت الإعلام الإنقاذي ، يمجد الرئيس الضرورة ، الرئيس الزعيم ، الرئيس الساحر الذي يلقي عصاه وإذا هي إقتصاد يسعى ينمو ويزدهر ! هل نسي إعلام الإنقاذ في خضم تلميع الرئيس لفترة رئاسية أخرى أنه هو ذاته الرئيس الذي في عهده انشطر السودان لدولتين لدودتين ، وأن في عهده انهار الاقتصاد ،وأن في عهده صنف السودان عالميا ضمن الدول الآيلة للفشل ؟! أم أن صمت الشعب خيل لهم أنهم يدعون شعبا أصم أو غائبا؟!
إن السودان يواجه مصيرا صعبا ..ويهوى إلى منزلق خطير ..وليس ليبيا والصومال ببعيد . فهل يأتي الفرقاء إلى كلمة سواء ..ويتحمل كل فريق مسؤوليته ، وتحلى بالشجاعة والوطنية .. فيترك الإنقاذيون غطرسة (لا أريكم إلا ما أرى ولا أهديكم إلا سبيل الرشاد) ، وأن يتحلوا بالجدية ، ويلتزموا بالعهود والمواثيق ، مع ابداء مرونة وتقديم تنازلات حقيقة وملموسة لزرع الثقة ، وأن يضعوا بنودا واضحة للحوار… وعلى أحزاب المعارضة أن تجري اصلاحات شاملة داخلها ،فمعظم الأحزاب صارت أحزاب عائلية ، وهمتها بعيد ة كل البعد عن الهمة الوطنية الجامعة .. ثم تتوحد وتجمع كلمتها ..وتضع المصالح الحزبية الضيقة جانبا .. وأن تكون كلمتهم العليا هي قضايا الوطن والمواطن .. إنا منتظرون .. والتاريخ منتظر ..فإما أن يسطر بحروف من نور أنكم أنقذتم السودان وجنبتوه الردى .. أو أن يسقطكم في مزبلته — جميعا حكومة ومعارضة — غير مأسوفا عليكم ….

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق