الاثنين، 6 أبريل 2015

ماذا تتوقعون ؟ 
اكتملت الاستعدادات في السودان لتنفيذ استحقاق الانتخابات في الثالث عشر من ابريل الجاري .. ليتم تنفيذ اكبر ثاني مسرحية هزلية في تاريخ السودان السياسي .. المسرحية الاولى تم تنفيذها في العام ٢٠١٠ بعد فصل الجنوب ، وفاز بها الرئيس الذي تم تجميل صورته الانتخابية بمجموعة من شباب المستقلين والذين اعدوا سلفا ليظهر للناس الذي غيبوا بأن هنالك انتخابات وهنالك منافسة .فكل من خاض الانتخابات مع الرئيس الذي يواصل مسيرة حكم لم نسمع بهم من قبل ولن نسمع بهم من بعد . 
واليوم وبعد خمسة اعوام تجري نفس الانتخابات بنفس الصورة ليعلن للملأ أن هنالك اربعة واربعين حزبا ، تخوض مع الرئيس سباق الرئاسة . ولقد اكتلمت الصورة بأن هنالك خمسة عشر مرشحا سوف ينزلون في منافسة الرئيس .. يمثلون اربعة احزاب ليس لها اي دور مؤثر في الحياة السياسية لعل ابرزها الحزب الاشتراكي وحزب الحقيقة ، وحزب العدالة ، وحزب الاصلاح .. وبمناسبة حزب الاصلاح أين هو الآن ، هل قام غازي صلاح الدين بالإنشقاق عن المؤتمر الوطني وتكوين حزبه . ثم قاطع الانتخابات ليتيح الفرصة أمام البشير ، ومن اظهروا انفسهم أنهم ضده وضد توجهه ، ومن ثم نجد الآن بعدهم عن خوض الانتخابات ليفسح المجال امام الرئيس ليواصل الى الابد .
ومع كامل احترامنا للمرشحين لرئاسة الجمهورية واحترامنا لحسن النية لديهم ، حتى يبرز لن ان هنالك حياة انتخابية شفافة .. ولكن لا يستقم الظل والعود اعوجُ .. أين نحن خلال السنوات الماضية من الحياة السياسية الحرة والبعيدة عن الملاحقة وعن التضييق .. وأين هي الممارسة للحريات ؟! ان نتائج الانتخابات وضحت جلياً مع هذا الاعداد الضخم وهذا الصرف البذخي ، إن النتيجة هي لرئيس الجمهورية ليواصل مسيرة الانقاذ . ولا احد غيره من الخمسة عشر مرشحاً .. هل تحلم فاطمة عبدالمحمود بالوصول الى سدة الحكم بعد هذا السن ، وهي قاربت للثمانين من عمرها .. مع احترمنا لكل سن وان ممارسة الحياة لا تقف عند سن معين طالما المستحق كان رجل أو امرأة كان صاحب استعداد للحياة وراغبا في تطويرها ونموها . إن الأحزاب والمستقلين المنافسين للرئيس هم جميعاً لا يمثلون خلفية قوية مثلما هي بحزب المؤتمر الوطني .. إن برامجهم جميعاً لا تمثل صورة لمرشح لرئاسة الجمهورية ناهيك أن تكون برامج لمرشح لبرلمان ..
إن الصرف الكبيرو الضخم كان من الأولى أن تخرج علينا رئاسة الجمهورية وتقول أنها ترغب في صرف راتبين لكل موظف في الدولة .. أنها تدعم بناء المستشفيات وتطويرها والنهوض بها .. أو إنها تريد تطوير التعليم وبناء مدارس في المناطق الهامشية الذي يدرس طلابها في العراء .. بدلاً من هذا الصرف غير المبرر لوصول الرئيس لسدة الحكم وهو أصلاً لن يتخلى عنه ولا مجموعته الظاهرة والخفية ، تريد منه أن يرحل أو أن يترجل .
ولو كان حزب المؤتمر الوطني صادقاً في مسيرته نحو الديمقراطية و الانتخابات الشفافة لكنا رأينا مرشحاً واحداً من المنظرين للإنقاذ .. لو كان أمين حسن عمر مثلاً قد ترشح لكان الأمر قد أخذ منحى جديداً وجدياً .. إن الثورة الإيرانية نجحت في مسيرتها لأنها أتاحت لأبنائها ومن يخالفوهم الرأي للوصول لسدة الحكم ، ولم تعمل الثورة أن أهلها الأُوّل هم من يواصلون إلى الأبد .. لو كنت رأيت أن كمال عبيد قد ترشح أو حتى ربيع عبدالعاطي ممن لا نتفق معهم - هم يبثون الكراهية والعداء تجاه الآخرين - لو ترشحوا مقابل البشير .. لحدث تغير جديّ . 
إن مقاطعة الأحزاب الكبرى لهذه الانتخابات لهي لطمة عظمى للمسرحية الهزلية الهزيلة .. فما الذي سوف يحدث بعد أن يعلن أن رئيس الجمهورية قد حصل على أعداد الأصوات الكبرى ، عشرة ملايين صوت من مجمل ثلاثة عشر مليون .. وبذلك قد حقق نسبة ٧٠% .. نعم بعد أن يذاع فوز الرئيس وتقام الأحتفالات البذخية .. فما الذي سوف يحدث من تغيير ، إن الحال سوف يكون على ماهو عليه .. ربما يسألني سائل : لماذا لا تتفاءلين و أنت تنظرين أنزه انتخابات لوصول رئيس الجمهورية لسُدة الحكم ؟ أقول : كنت سأعيش التفاؤل لو أنني رأيت حسين خوجلي قد خاض الانتخابات ، برغم ما خاض في حياتنا السياسية من فساد . وبما كان مسانداً وداعماً لأهل السوء والخراب ، فإذا كان قد ترشح لكان الوضع يدعو للتفاؤل بأن المخربين يسعون إلى الإصلاح .. لو رأينا مرشحين جادين لكان التفاؤل قد سرى في أنفسنا أن هنالك خطة تسعى للتغير .. 
سيأتي ويواصل العيش في القصر الجديد وسوف يتمتع بعدد خمس وسبعين من السيارات هي منحة من جمهورية الصين للسودان ، وسوف يتمتع كل فريقه العامل بهبات وخيرات السودان وبالويدعة السعودية .. و على المتضرر اللجوء إلى المنتخب - محمد الحسن محمد الحسن محمد الحسن - لأنه وعد المرشحين بصرف مبلغ ألف دولار لكل فقير كخطة عاجلة .. وهو يمثل حزب الإصلاح الوطني . من الذي سوف يجيز لك هذه المنح للفقراء ؟ وأي خزينة في هذه الدولة سوف تسمح لك ؟ وهل عندك إحصائية صادقة لعدد فقراء هذا البلد ؟ إن هذا البلد جميعه فقراء .. فقراء فقراء و أغنياء فقراء .. ألا ترى كبار رجالات الإنقاذ برغم ما حققوه من الثراء هم في الأصل فقراء يخطفون اللقمة من أيدي مساكين البلد ..
إن صمت النخب في السودان ممن كان في سُدة الحكم ومسانداً له أو ممن كان في المعارضة بكل أطيافها عن هذه الانتخابات الهزلية ، ليسمح بوصول وبقاء من هو في الحكم ، لهو أمر خطير وسيء وسوف يذيق الناس ويلاته .. وسينقلب المركب بالجميع .. إن الكلام عن الوفاق الوطني والحوار الوطني و المسلمات الوطنية لهو كلامٌ لا يحمل أي معنى على أرض الواقع .. فالأمر سيستمرعلى ما هو عليه .. إلا أن يعود العقل لأهل الحكم ليصدقوا مع أنفسهم أو أن المعارضة تتحد في جبهة واحدة لتصدق الناس . 
إن هذه الانتخابات التي ستوصل البشير لا تؤسس لأي مستقبل لهذه البلاد .. فسوف يواصل نفس المسيرة بنفس الوجوه وعلى خط الأستكبار و الكلام بالقرآن بينما الواقع مختلف تماماً عن هذا الخطاب الضلالي .. وماذا بعد أن يقضي البشير مدة الخمس أعوام القادمة ؟ هل سيستحي عن ترشيح نفسه أو ربما تستحي جماعته عن ترشيحه ؟ أم هل سيقوم بكتابة دستور يسمح له أن يواصل إلى الأبد أو أن يحق له الفترة الألف للترشح .. 
إن هؤلاء القوم بعملهم هذا السيء في تسويق انتخابات سيئة ذات صرف ضخم يكفي لدعم الكثير من أوجه القصور الإجتماعية و الإقتصادية أو جلب عشرات الأجهزة لمرضى الفشل الكلوي و ما أكثرهم في زمن الإنقاذ .. ومثل هذا التسويق في ظل مقاطعة لكثير من الأحزاب وأهل الرأي .. لا ينتج سوى الدمار لنخرج بعد هؤلاء القوم دون تاريخ ، ودون جغرافيا ، ودون لغة مع فقر دم وفقر فهم ...  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق