الخميس، 30 أبريل 2015

حرب الأسفلت
إن الحروب المشتعلة في السودان كثيرة , منها ما خمدت نيرانه وسكنت , كحرب الجنوب وما حصدت من أرواح فاقت المليون أو كادت .. وحرب دار فور وما تم تداوله عن زهق الأرواح فيها وما قارب النصف مليون أو كاد .. ثم الآن في جنوب كردفان والنيل الأزرق ولا أملك إحصائية عما تم زهقه من أرواح فيها .. إنها المسأة في بلادنا .. أن يواصل السياسيون استمرارهم في مناصبهم ولا يحس أحد منهم بخجل أو غضب أو حتى إعتذار لهذا الكم الهائل من الأحباب الذين ودعناهم .. وأضف إليه ضحايا حرب الألغام .. ثم حرب الأمراض القاسية على الفقراء وأهل الحاجة .. لكن الحرب المسكوت عنها هي حرب الأسفلت .. وأعلم أنه بمقاييس الطرق في العوالم المتحضرة , لا يوجد لدينا أسفلت ولا يوجد لدينا طرق .. ولكنك تتعجب لذلك الكم الهائل من السيارات الداخلة لبلادنا كل عام , ولكنها متهالكة تسير على طرق متهالكة ...
      كم فقدنا بسبب حرب هذه الحرب المؤلمة حرب الاسفلت .. ويؤلمك أن لا أحد من كبار المسؤولين يخرج ليصرخ كفى كفى .. مع أنهم هم أنفسهم فقدوا العديد من أصحاب الفكر والسياسة .. هل ننسى المفاوض مجذوب الخليفة .. وهل ننسى الداعية العظيم محمد سيد حاج , ذلك الوجه البشوش , ذلك الشيخ الطيب صاحب الكلمة الطيبة .. وهل ننسى ذلك الشاب الجميل والذي كان يحض الناس على الخير , إنه صاحب الصلات الطيبة : محجوب عبد الحفيظ ..رحمهم الله جميعا .. إنها ثلاثة نماذج لمن فقدنا .. ولكن ببساطة هل هنالك بيت في السودان لم يعش الأسى والأسف لأرواح أعزاء فقدناهم ؟ ببساطة تكاد تجزم أنه ليس هناك بيت في السودان لم يعرف فجيعة حرب الأسفلت ...
          وإلى متى سيستمر هذا النزف , وهذا العذاب ولا تجد أي مبادرة أو أي فكرة من أبناء هذا البلد الغني الثري بأهله من أصحاب الرأي والفكر .. ولكن ربما أوقفني أحدهم وقال : إذا كنت تنتقدين سوء الطرقات المتهالة , إن أصلحناها دخلنا فيما دخلت فيه السعودية ودول الخليج الأخرى .. ففي السعودية كما قيل ومنذ أن تأسست الطرق السريعة فقدت ما يقارب المليون من أبنائها في حرب الأسفلت عندها وعانت من وجود نصف مليون معاق , لا أدري إن كانت هذه الإحصائية صحيحة أم لا ولكنها بأي حال تعكس مدى هذه الحرب المؤلمة في جميع البلدان العربية ..
وهناك مصر وهي تصنف على أنها أكبر بلد تحدث فيه مآسي الطرقات , إنما يهم في الأمر هنا أنه في بلادنا ليس هنالك أي تحرك رسمي لمحاولة وقف هذا النسف وحين تتأمل برامج المرشحين لرئاسة الجمهورية أو دخول البرلمان لا تجد أي إشارة بقريب أو بعيد إلى هذه المأساة الفاجعة في السودان ..
ولكن ربما يسألني سائل : يا صاحبة المقال ما هي مبادرتك لوقف هذه الحرب الأليمة ؟! أقول : على الحكومة و أهل التنفيذ فيها من وزارة الداخلية وشرطة مرور ومراقبين أن يكون لهم البرنامج اليومي المكثف للتوعية المستمرة مع ما يصحبها من إعلانات الطرق لنشر الصور الأليمة مع الأرشاد بقوة , و إن لزم الأمر أن تكون هناك في كل مدرسة و جامعة ومعهد وفي وقت دخول الطلاب صباحاً تكون هنالك دقائ معدودة والأرشاد والإشارة إلى ضحايا الطرق وهذا النزف الكثيف وما علينا أن نفعلهم كسائقين وراكبين وسائرين ..
ومن المبادرة أن يخرج علينا رئيس البلاد إن لزم الأمر بعد كل حادث أليم وأن يقول كلمة عزاءٍ أو أسف لما جرى لأبناء وطنه , إن الرئيس الذي يقابل مغنياً مثل إيهاب توفيق مقابلة رسمية أولى أن تكون له كلمة حانية لأبناء الوطن في حوادثهم وكوارثهم ..
ومن المبادرة .. مثل ما تفننت حكومة الإنقاذ - ولا إنقاذ - في إنشاء الصناديق , صندوق كذا وصندوق كذا وصندوق كذا أن يكون هنالك صندوق جديد هو صندوق ضحايا الطرق و أن ندعى جميعاً للمساهمة فيه كما تمت دعوتنا لدعم عزة السودان وغيرها , كم هم الذين أعرفهم وهم بسطاء ومساكين حد العِفة لا يسألون الناس إلحافاً مات عائلهم ولم ينالوا أي تعويض من أي جهة لا فردية ولا حكومية وتعرضوا بعد عائلهم لمآسيٍ عدة ومثل هذا الصندوق المبادرة _ صندوق دعم ضحايا حوادث المرور _ ربما تجد مثل هذه الأسر دعماً يكون عوناً لهم ضد شراسة الحياة الصعبة في وقتنا الحاضر ..
ومن المبادرة أيضاً وما أكثر مسميات الضرائب المفروضة على المغتربين و المقيمين في الوطن , فلو كان هنالك صاحب قلبٍ ممن إخترعوا تلك المسميات السيئة في الضرائب أن يكون له خير بعمل ضريبة ولو بسيطة على كل مغترب وجميعنا أصبح مغترباً أن تكون هنالك ضريبة لحوادث المرور نساهم في جميعاً ولكن هل ستصل هذه الضرائب وحصيلة الصندوق وهذه الحوادث إلى مستحقيها أو أنني متفائلة لدرجة شروق الشمس على السهول .. وسلمتم جميعاً و أتمنى ان يصلني المزيد من المبادرات .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق