الأحد، 20 أبريل 2014

خطاب الرئيس في اليوبيل الفضي 
أيها الشعب الكريم الطيب الصبور , المحب للحياة , والبعيد تماماً عن التكفير والتضجر ..
أحييكم لكل ما تتمتعون به من خصال وصفات جميلة حسنة , يشهد لكم بها القاصي قبل الداني و إننا ل
كمجموعة حكم وخلال ربع قرن من الزمان عملنا على استغلال هذه الخصال , فإن الأحقاد المتواصلة في أنفسكم تكاد تكون معدومة فإنكم ضجرتم من عبود و أسقطتموه , ثم عدتم بعد أعوام تقولون : ضيعناك و ضعنا وراك ..
وخرجتم في الثورة الثانية ضد النميري وحينما عاد للوطن خرجتم ألوفاً و جماعات لاستقباله بالدموع ,, ما هذه القلوب التي يمتاز بها هذا الشعب , وحينما نظرت إلى تاريخك أيها الشعب الكريم الصبور لم نجد أنكم توجهتم إلى محاكمة أي مسئول , ولم يسجن أي مسئول حتى وإن اخطأ وارتكب الفساد , ولم نجد الانتقام الشخصي أو الحزبي ضد جماعة أو فرد , و بالتالي كان مجتمعنا خالياً و بريئاً من الاغتيال السياسي , فلم تظهر التفجيرات عندنا كما ظهرت في البلدان الأخرى . من هنا عملنا كمجموعة حكم كما ذكرت على استغلال هذه السمات والاستثمار فيها , فكانت مجموعتنا تعرف أن الذاكرة البريئة و الخالية من الحقد و الانتقام سرعان ما تنسى ما نفعله من وعد و ما نعطيه من مواثيق .
فكانت لحظة 30 يونيو قبل ربع قرن من الزمان أن نأتي كمجموعة جديدة , و لأننا نعرف أن من أزحناهم سرعان ما يرضخون و ينسون " فإننا بحق أخطأنا في حق الديمقراطية " وكان من الممكن أن نعمل سريعاً على إعادتها و لكن المجموعة المتعلقة بشجاعتي و موافقتي في إدارة هذا التكريس الجديد كان همها أن الفرصة الضائعة لا تتكرر فعلينا أن نعمل على تمكين مجموعتنا و قد تعاطف معنا الكثير من أهل المصالح و أهل الاتكاء على الفائدة ولا يهم ما يسمى الوطن .
والآن بعد ربع قرن من الزمان و حينما أعود بذاكرتي إلى كل من شارك معنا و أين هو الآن أعلم أنه كان واعياً مدركاً لمصلحته , و يمكنني أن أمدكم بالعشرات منهم ,, منهم من استولى على أموال طرق أردنا إنشاءها ومنهم من استولى على أموال جسور و مدارس و مستشفيات .
وكنت أختلف مع مجموعتي بخصوص هؤلاء البائن فسادهم , الظاهر للعيان شرهم واستغلالهم لمناصبهم , ولكن مجموعتي كانت تصرفني عنهم وتقول إن هذا النوع من الناس يدين لنا بالولاء بدرجة بعيدة .. وهذا هو عين التمكين ..
وكانت إدارة الحرب في الجنوب تعمل بكل جهد و اجتهاد على تخويف الشعب الطيب بأننا إذا فشلنا ووصل المتمردون الخرطوم فإنكم لا محالة تدخلون إلى الفناء و البدد , والهم الأخر والكبير في مسألة الجنوب اعتذر أيها الشعب الطيب عن كل الأرواح المزهقة في تلك الحرب وكم كانت الآلة الإعلامية لدينا تقود الشباب إلى تلك المحرقة العجيبة وبعد فناء كل تلك الأرواح الطيبة نجلس مع المتمردين للتفاوض , وتوقيع نيفاشا , وفي الأصل كانت مجموعتنا تعرف تماماً أنها ساعية إلى فصل الجنوب حتى نرتاح كمجموعة تفهم لغة التكبير والتهليل دون غوص إلى المعاني اللطيفة في هذه اللغة إننا كأهل تهليل وتكبير سوف يرتاح بالنا من هذه المجموعة اللادينية المختلطة بمسيحيين ووثنيين , وهنا يخلو لنا الجو ونحلِّق وحدنا أهل التكبير – ولعلكم فهمتم الآن مقصدنا .
ولأننا كنا نفهم كمجموعة أننا لن نتنازل لأحد كائناً من كان عن هذه السلطة , ولفهم نفسية صاحب القلب الطيب المصدق للوعود , عملنا على إنشاء آلة الحوار فإننا منذ العامين الأولين أقمنا عدداً من المؤتمرات لتفعيل الحوار و إشراك الأخر بمشاركة وهمية يحضر فيها المؤتمر ويتمتع بما فيه من متع وشراب وطعام و ينصرف في انتظار إظهار بنود المؤتمر إلى أرض الواقع ويطول انتظاره , وها أنتم وبعد ربع قرن من الزمان أيها الشعب الكريم الطيب الصابر تجدون أخر خطاباتي أمام البرلمان أني أنادي بالحوار و أن لا رغبة لدينا لإقصاء أحد , ولكن الذاكرة الطيبة الخالية من الكراهية لن تحاسبني أبداً ..
فذاكرة كل من عملنا على إزاحته هي ذاكرة لا أقول رديئة و لا ضعيفة , ولكن أقول أن صاحبها لا يحمل الكره والحسد للمحاسبة .
ويبقى السؤال الكبير كيف عملنا على فصل الجنوب و إنشاء حروب جديدة .. الإجابة عليه ببساطة هي أننا كنا نقول في حرب الجنوب أن المتمردين إذا انتصروا علينا فسيخسر أهل البلد كثيراً ولكننا عملنا على فصل الجنوب و أزحنا عن كواهلنا عبئاً ثقيلاً بوجود هذه الإثنية بيننا , و كمجموعة حاكمة قررنا أن ننشئ مواقع جديدة للحرب فعملنا سريعاً على تفعيل حرب دارفور , وبالطبع فإن ورش العمل الشيطانية لا تتوقف في خلق المزيد من الأزمات حتى يستمر العمل و يتواصل التمكين , أما بخصوص وجودي وبقائي في الحكم فإنني ومنذ سنوات أود التنحي , لكن أعلم أن المحكمة الجنائية لي بالمرصاد , و أن المجموعة التي أوصلتني لسدة الحكم لن تأمن من وصول رجل جديد , فلربما انقلب عليهم و أزاحهم جميعاً فيضيع منهم هذا الكنز و أنهم جميعاً أهل مصالح .

ولكن الآن و بعد ربع قرن من الزمان وبعد أن كبر وشاخ من مارسوا الديمقراطية فقد توصلنا معهم في الاجتماعات المغلقة إلى رؤى سرية أن نتنازل لهم بطريقة حفظ ماء الوجه لنا ولهم , بشرط أن لا ينفتح علينا أتباعهم بخروج يولد ربيعاً سودانياً ثالثاً , و قد رضوا بذلك أنهما بحق شيخان جليلان أشكرهما على ذاكرتهما الطيبة المسامحة والخالية من الأحقاد . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق