الخميس، 17 أبريل 2014

دور الترابي في تقويض الحياة السياسية  والحزبية


الشيخ حسن الترابي هو سياسي بدرجة لاعب كرة قدم محترف .. دخل مضمار السياسة منذ ستينات القرن الماضي ..
وهو صاحب رؤى وأفكار سعى إلى تطبيقها على أرض الواقع ..حالفه الحظ في بعضها , ونال الفشل جانب آخر .. زواج الرجل من تلميذته , يعطي صورة مقربة لذهنية الرجل , ولا نقول الوصولية والميكافيلية . ولكن للسياسي أن يطرح كل ما يقربه أو يوصله إلى هدفه . ولربما ارتباطه بهذه العائلة ذات الإرث التاريخي يعطيه فرصة الوصول أو الظهور ..وعلى كل هي مرحلة .
والرجل صاحب صياغة لأفكار وقدرة أن يكون قياديا , وقد جعل لنفسه مكانة بارزة في تكوين وعمل الأخوان المسلمين , ولو بطريقته الخاصة , وتأبى نفسه أن تكون واضحة المعالم كما هي في بلد المنشأ , وربما ذلك لطبيعة أهل السودان غير المصادمة والتي تعمل بروح الإلفة والإحساس الهاش الباش .
واستطاع الرجل ومنذ ثورة أكتوبر أن يكون لمجوعته , القلب النابض فيها والمحرك لها ,وأن تنمو وتنتشر , مما لم يستطعه صادق عبد الله عبد الماجد أو غيره من أصحاب الأحزاب الأخرى دينية أو علمانية . وله من مقدرة الصياغة وتأمل المرحلة الكثير , فقد امتطى مسمى جبهة الميثاق, ثم الجبهة الإسلامية , ثم الإنقاذ وهو من صنعه وصاغه وسوقه وتخفى وراءه حتى أظهره للشعب السوداني بأنه ذراع الجبهة الإسلامية الذي انقض على الديمقراطية , التي كان متربصا بها , عقب عجزه الوصول للسلطة عبرها . وكان حلمه أن ينتصر بقوة السلاح وبالإيحاء للشباب بأنهم للجنة سائرون , إن دحروا الجنوبيين وهزموهم .
وللرجل من الثقافة والإلمام في شتى ضروب المعرفة , هل هو الفقيه ؟, هل هو المتحدث اللبق في حركات التاريخ والصوفية وشتى الاختيارات الذكية ؟ أم أنه العراب الفرنسي المتشبع بالثقافة الفرنسية؟ كل هذا الكم الهائل ملأه بإحساس القوة وأنه المتفرد وأن الجميع لا بد أن يكونوا تحت إمرته, وأن من حوله يتضاءلون , ولا بد أن يسلموا له بالقياد و الانقياد . وهذا جعل بعض تلامذته  يتململ منه , فإنه يتحرك ولا يسكن أبدا, وكل حين هو في شأن جديد ومتناقض مع ما قبله !
إن الضحكات والتبسمات أثناء أحاديثه المختلفة لهي تعبير صادق بوعيه بقوته الفكرية وحافظته العجيبة من الأمثال والرؤى , وكأنه يقول لمن حوله لن تستطيعوا اللحاق بي أو حتى يمكنكم أن تصلوا إلى أقل القليل من معرفتي !
وكأن من تعرض له بالضرب في كندا في زمن سابق , كان مشحونا بأن الرجل انقض على الديمقراطية وأن ضحكاته تلك تنم عن استخفاف يولد (إنهم لنا لغائظون ) ولكن من ضربه لم يلحظ فارق السن وفارق المعرفة وطغى عليه تأثره بما فعل الرجل وزمرته الفاسدة بالسودان وأهله , وكان لهاشم بدر الدين الوعي المبكر واستشعار الإنذار بأن أهل الإنقاذ يقودون البلد إلى الفوضى والتدمير ...
وتدور الأسئلة حول الرجل بعد أن أزاحه تلامذته وانفردوا بالحكم , وفعلوا هذا العقوق البين في حق والدهم وصانعهم ! سواء أكان ذلك من على عثمان طه وجماعته أو من أمين حسن عمر وجماعته ..هم قدموا العقوق لوالدهم والذي ما انفكوا يقلدونه حتى في طريقة الكلام مع رفع الحاجب والابتسامة الغامضة بين الفينة والأخري..
ومضى الرجل متغلبا على مأساة إخراجه من المشهد الذي صنعه , وأهلك الحرث والنسل فيه.  وقام تلامذته بعد تفاوض شاق بفصل الجنوب,  فكوَّن الرجل مجموعة حزب المؤتمر الشعبي , وأخذ يسوق له بشتى الطرق , حتى أقنع البعض ودلفوا إلى ساحة حزبه , ولكن الذاكرة الهشة لنا كسودانيين تجعل التعاطف يقوم على أساس مساندة الرجل , على قرار ارحموا عزيز قوم ذل ..فلا المؤتمر الوطني , ولا المؤتمر الشعبي يصلح للسودان ..فقط المؤتمر الهندي قد أنجح الهند وقادها إلى الديمقراطية وتعايش فيها الخليط الهائل من مسلمين وهندوس وغيرهم .. والمؤتمر الأفريقي من قاد جنوب أفريقيا إلى تجربة عظيمة في تداول السلطة ..
 إن الترابي بكل أخطاءه , وبكل معرفته لو مضى إلى جامعته والتدريس بها , لاستفاد الناس من عالم ربما طور نفسه إلى مصاف من نالوا جائزة نوبل .. إلا أن السياسة بكل مستنقعاتها قد لوثت الرجل ..
ففي الدول التي تمارس الديمقراطية نجد أن الرئيس والمسئولين بعد انتهاء فتراتهم ,يعملون في هيئات استشارية , أو في مجال الأعمال الخيرية ,فيستفيد المجتمع من خبراتهم .. ولكن في بلداننا يظل السياسي في الحلم برئاسة الدولة أو الوزارة وقد شاخ وكبر ..والشيوخ الذين يفاوضون الإنقاذ الآن ويحلمون أن يفضي الحوار إلى نتيجة واهمون . فبعد تصريحات الترابي من الدوحة وكأن الدولة رضخت لشروط الشيوخ تأتي تصريحات غندور بالأمس : بأنهم ماضون في منهجهم ( وتحياتي إلى صناديق الاقتراع ) ..
وبعد كل هذا : هل يستطيع الترابي  يوما أن يظهر للناس ويعتذر لهم عما أثاره من أتربة وغبار وما لحق بالسودان من مآس وفتن وويلات وفظائع .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق