الاثنين، 28 أبريل 2014


خطابات الرئيس والانفصال عن الواقع

"كان للخطابة في الماضي شأن عظيم فقد ثلت عروشا ودكت دعائم ممالك ونصرت أقواما وأذلت آخرين , وقبرت دعوات وبعثت أخرى .. وفي ظني أن الخطابة تبلغ شأوها إبان الأحداث السياسية الكبرى مثل تأسيس الممالك وتوحيد الأقطار , والصدق أن الخطابة أقوى أداة من أدوات النضال السياسي والوطني , لهذا يرى كثير من المختصين أن لا مندوحة للزعيم ,من قوة الشخصية وقوة الحجة وسلاسة اللغة والإلمام بنفسية الجماعات التي يخطب فيها لبلوغ مكان الإقناع من نفوسهم " ما تقدم من الكلم هو اقتباس من مقدمة الدكتور عبد الله العسكر لكتاب يصب في موضوع الخطابة السياسية اختار جامعوه (هرفيه بروكيه – وكاترين لانو – وسيمون بيترمان ) عنوانا جامعا و أسموه : 100 خطاب دمغت القرن العشرين , وقد اختاروا مئة خطيب من دول العالم كافة وكيف أثرت خطاباتهم في شعوبهم وفي مجمل سياسات دولهم .
وهذا ما لم يفطن له معظم خطبائنا , ولم يدركوا أن خطابهم يجب أن يكون شرفا للكلم وميثاقا للوعد وعزم على العمل , وأن يكون فئويا ملائما للمتطلبات الجمهور أو على أقل تقدير أن يبقى على مستوى لغوي عام حتى لا يخسر أصوات داعمة محتملة .
وكمثال لا حصر .. سوف أتطرق لخطابات الرئيس في السودان : فخطابات الرئيس أو مخاطباته توحي أن القيادة منفصلة عن الواقع بدرجة مؤلمة , ومن جهة أخرى انفعال الناس بما يقوله أعلى هرم في السلطة يوحي كذلك بأن هنالك انفصال تام بين أطياف الشعب وحكومته , وهذه مأساة أخرى تولدت نتيجة تراكمات من الفشل والاحباطات والخراب الذي جرى على كافة أوجه الحياة , وما طغى على السلطة من خطاب يذكر شيئا والفعل شيئا مختلف . هذا بالرغم من أن الأمر مع البشير أصبح وكأنه دعاية انتخابية مسبقة لسباق الرئاسة العام القادم .. فكل ما أراد أن يقدم خطابا تجد ماكينة الإعلام - والذي كله رسمي – تعمل على أن للرجل خطابا قادما فانتظروه , وتقدم أن الرئيس سيقدم رؤيته الثاقبة لكل الأوضاع ..ثم يأتي الخطاب ويتكلم الرئيس عن أنه لا إقصاء لأحد , فتأتي الأخبار عبر شاشات التلفزة عن هجمات شرسة للحكومة في دار فور , وتنقل عن يوناميد قولها بنزوح الآلاف ويتزامن خبر آخر مفجع مع خطاب الرئيس عن حرق قرى ونهبها من قبل القوات الحكومية . وعن إطلاق الحريات يدعو الرئيس لبناء الثقة وإلقاء كافة القوانين المقيدة للحريات  . وعلى الصعيد العملي تجد أن الحكومة أوقفت جريدة الميدان وتبعتها جرائد أخر . ويصدر الرئيس بقرار جمهوري قانون تنظيم النشاط الحزبي فيكون بمثابة فصل الاجهزة عن مولود الحوار الخديج .
والكل يرى أن الثراء كله في جانب أبناء السلطة والصامتين عما فعلته وما خربته في كل المجالات , وبعد ما ترسخت إمكانات جميع هؤلاء تأتي السلطة لمناقشة الثراء الحرام , الحرام ليس في الثراء فحسب إنما الحرام صار أوكسجين الحياة المتداول في مجالات لا تحصى !
ويخاطب الرئيس الاجتماع المغلق وينادي المنفصلين عن الواقع معه ,من وزراء وبرلمانيين , بتحسين الأداء الحكومي والذي لم يعد موجودا في الأصل . وينادي أن اعملوا على تنفيذ سياسات التفعيل وفق الإمكانات المتاحة , وهو يعلم أنها صارت في خبر كان . ثم يتحدث عن توزيع السلطة والثروة , فالثروة لن نقف عندها طويلا , فهل الدعم القطري سيعمل على إنعاش الثروة من جديد ؟ وهل سيبقى للمواطن الكادح شئ بعد أن ينال كل من الشيخين – الصادق والترابي – نصيبه؟!
إن الحديث عن توزيع الثروة يراه السواد الأعظم من الشعب شأن داخلي , كشيخ أحس بدنو أجله فوصى بتوزيع ثروته بين أولاده وبناته وبعض العصبة من المقربين والأقارب ! 
وفي بعض الخطابات يتحدث الرئيس عن الكتاب الابيض  وما أدراك ما الخطاب الأبيض ..هل هو طعن خفي في أولئك الذين وضعوا الكتاب الأسود والذي أهم بنوده :النعي المؤلم على من جعلوا السودان تتداول السلطة فيه فقط بين الشماليين . يا للعجب ..كتاب أبيض يدعو إليه من وضع آلاف الكتب السوداء ؟! الكتاب الأسود لم يحقق لأصحابه شيئا , والكتاب الأخضر ألقى بصاحبه في التهلكة وأنهى أيامه بمأساة وتراجيديا تاريخية .. وبالطبع فإن مستشاري الزعيم المناضل سيجعلون من تأليف الكتاب مناسبة لإقامة عظمة الرئيس وسمو أفكاره , وجماليات نظرياته القويمة والمستقيمة !
والى هنا نكتفي فإن واصلنا لن نقف فالأوجاع والآلام الضاربة في الأرواح عميقة , والشقة بين الحاكم والمحكوم بعيدة ..والخطاب السياسي لا يشكل حدثا أكبر في حياة الناس وغير قادر على :( تفنيد الأحلام وإعطاء الأمل والتأثير في القلوب والنفوس وتقديم رؤيا لمستقبل أفضل للجماهير)(ماك آرثر).
http://www.raialyoum.com/?p=80757
http://www.hurriyatsudan.com/?p=150791

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق