الاثنين، 12 مايو 2014


يتقاتلون ويتذابحون في الجنوب والشمال السوداني هو الخاسر الاكبر!


(1)

دولة جنوب السودان دولة حديثة نالت استقلالها في التاسع من يوليو / تموز 2011م , بعد حروب طويلة ومريرة مع شمال السودان , راح ضحيتها أكثر من مليون ونصف المليون مواطن من الطرفين .. الدولة غنية بالموارد الطبيعية ,من النفط والاراضي الخصبة والأنهار التي تجري تحتها , والأمطار الغزيرة معظم شهور السنة ..ولكن رغم ذلك تواجه الدولة الوليدة مخاطر الصراعات القبلية .. فالولاء والإخلاص للقبيلة أعمق وأقوى من الولاء للدولة .. فالصراعات الاثنية هي أخطر ما يواجه الدولة .. ويعمق تلك المخاوف أن سيطرة الحكومة المركزية على الجيش لم تكن محكمة .. وقرار سلفاكير رئيس الحكومة الذي ينتمي إلى قبيلة الدينكا وهي أغنى وأكبر القبائل في دولة جنوب السودان – بإبعاد نائبه رياك مشار ومجموعة من القادة واستبدالهم بموالين من قبيلته أجج الصراع أو بالأصح كان بمثابة نزع الفتيل عن القنبلة الموقوته ..

إن أسوا الحروب هي تلك التي تستعر على أساس إثني ..خاصة إن قابلت ذلك  سياسات تكرس روح الحرب , ولا تشجع على التصالح , بل تعمل على التجييش المستمر .. وهذا ما شهده العالم – للأسف- من عنف وعنف مضاد بين قوات الجيش الحكومي والقوات المسلحة التابعة لرياك مشار ..

إن أخبار القتل , وصور الجثث التي تملأ الشوارع , وروائح الموت التي تخييم على القرى المهترئة أصلا لسوء الأحوال الاقتصادية , وعدم وجود بنية تحتية أو مشاريع تنموية .. وقصص الاغتصاب والتعذيب يندى لها جبين كل إنسان حر .. فقد استخدمت القوات من الطرفين الاغتصاب كسلاح , فقد نقلت بعض المواقع الإخبارية قصص مروعة لحالات الاغتصاب .. وكان تبرير كل طرف أن يرد على ما فعله الطرف الآخر بنسائه !

محاولات لإجراء حوار جاد بين الفرقاء للوصول الى حل للأزمة الإنسانية الخانقة , فتنازل مشار عن شرط استبعاد سلفاكير نتيجة لضغوط أمريكية وإسرائيلية , وقال لام أكول وهو قيادي بالحركة الشعبية من قبيلة الشلك : ” إن رحيل سلفاكير عن السلطة مسألة صعبة يمكن أن تهدد الاستقرار السياسي والأمني بالدولة” .

تناقلت وكالات الأنباء خبر المصالحة بين الفرقاء الجنوبيين , فقد اتفق قطبا الصراع سلفاكير ميارديت ورياك مشار مساء الجمعة على وقف الأعمال العدائية بينهما في غضون أربع وعشرين ساعة ..ورغم المصافحة بينهما إلا أنهما بدآ متجهمين أثناء الاتفاق !

والسؤال هو : هل سيصمد الاتفاق ويرى النور على أرض الواقع ؟ أم أن الشيطان يكمن في التفاصيل , ويضاف إلى ذلك أن قيادات جنوبية ترى أن الزعيمين سلفاكير ومشار غير مؤهلين لقيادة الدولة الوليدة بعد أن تورطت قواتهما في سفك دماء أبناء الشعب الأبرياء , وتشريدهم وزيادة معاناتهم ..والمتمردون بالمقابل يطالبون بإبعاد سلفاكير عن قيادة البلاد .

هل سيسير الجميع نحو مصالحة عادلة ترفع عن كاهل الشعب معاناة دامت لأكثر من سبعة وخمسين عاما ؟! ويتجاوز الطرفان الخروقات المتبادلة بينهما.. فقد قال المتحدث العسكري باسم قوات مشار : أن الجيش الحكومي انتهك الاتفاق الذي يهدف إلى حل الأزمة . وأردف قائلا : “أن سلفاكير إما أنه منافق أو فاقد السيطرة على قواته” ..وبدورها الحكومة اتهمت قوات مشار بانتهاك الهدنة . هل ستكون الاتهامات المتبادلة ذريعة لاستئناف القتال ضاربين بعرض الحائط الضغوط الدولية ؟ أم أنها مناوشات من الممكن السيطرة عليها ؟

لقد حمل الشعب الجنوبي أحلامه وآماله بعيش رغيد وحياة هنية في ظل دولته الجديدة , بعد طول معاناة مع الحروب والتشرد والنزوح ..فهل يعمل الفرقاء على إنعاش هذه الأحلام وإيقاظ تلك الآمال ؟

ما نأمله هو أن يضع جميع الفرقاء خلافاتهم السياسية جانبا وأن ينضووا تحت لواء الإنسانية .. وأن يعمل الجميع على وقف الانتهاكات .. وأن يبدلوا مشاهد القتل والتقتيل بمشاهد التنمية ..وأن يكون الخطاب مكرسا لقيم التسامح والإخاء والتكاتف ..رافضا لانتهاك حقوق الآخر ..نابذا للعنف …

(2)

إن الصراع الدموي الدائر بدولة جنوب السودان يؤثر تأثير مباشر على السودان ..اقتصاديا وأمنيا .. فالاقتصاد السوداني المنهك يعتمد في موازنته على عائدات إيجار خط أنابيب البترول , والتي تمثل مورد مهم للعملات الأجنبية ..الحرب تسببت في توقف الإنتاج بأحد حقول النفط الرئيسية وتهدد بإيقاف حقل رئيسي آخر .. وبالتالي سوف يتوقف مورد هام للعملات الأجنبية يصعب على الحكومة سد فجوته لسببين : الأول : أن سياسة حكومة السودان الخارجية وتحالفاتها غير المتوازنة أفقدتها تعاطف الدول النفطية الكبرى (السعودية والإمارات) , والسبب الآخر : داخلي حيث أن الحكومة رفعت الدعم في وقت سابق عن المحروقات والسلع الأساسية مما تسبب في مواجهات دموية راح ضحيتها شباب أبرياء..فأي زيادة ربما تكون وقودا لاندلاع انتفاضة شعبية ثالثة عارمة تهدد بقاء حكومة البشير ..

وبالإضافة لتأثير عائدات عبور النفط سيتأثر السودان بوقف التبادل التجاري بين البلدين  ..

الاستقرار الأمني خطر آخر يتهدد السودان من جراء الحرب الدائرة في دولة الجنوب , فالحدود بين البلد ممتدة يصعب على كل من الدولتين السيطرة عليها وعليه ربما ينتقل الصراع إلى أراضي السودان مهددا حدوده الجنوبية ومناطق النفط بها  ..

نزوح أعداد كبيرة من مواطني جنوب السودان الى السودان يمثل عبئا مالي واجتماعي وأمني يزيد من إنهاك اقتصاده المنهك أصلا ..

(3)

تداعيات الحرب الدائرة في دولة جنوب السودان لا تهدد أمن السودان فحسب بل تتعداه إلى الأمن القومي العربي ..فدخول إسرائيل كمؤثر حقيقي في الصراع الدائر ..وضغطها لبقاء سلفاكير على سدة الحكم في دولة جنوب السودان غير خفي .. فدولة إسرائيل تبحث لها على موطئ قدم في العمق الأفريقي لتطويق العالم العربي , وإبعاد أكبر دولة عربية عن الصراع العربي المحوري المتمثل في تحرير فلسطين , . وتسعى لإضعاف مصر من خلال عمقها الاستراتيجي الحيوي السودان وأيضا تسعى للسيطرة إلى تأمين ملاحتها ومصالحها الحيوية بالسيطرة على البحر الأحمر .. فعملت الدولة على دعم المتمردين في جنوب السودان وعززت سبل الانفصال باكرا  فأتاها –موطئ القدم – على طبق من ذهب بانفصال جنوب السودان !

وبعد الانفصال كانت من أول الدول التي بادرت بالاعتراف بدولة جنوب السودان .

تشير الدراسات على أن منطقة الشرق الأوسط مقبلة علة فترة شح في المياه والذي قد يشعل حروبا في المنطقة ..والدولة العبرية فطنة لمصالحها فبدأت بدعم دولة جنوب السودان ودولة إثيوبيا للضغط على مصر والسودان وإضعافهما .

إن الحرب في دولة جنوب السودان على درجة عالية من الخطورة على الأمن القومي العربي .. فمن خلال ذريعة الدعم العسكري واللوجستي لحكومة جنوب السودان سيكون لإسرائيل وجود عسكري كثيف , يمكنها من الحصول على معلومات أمنية عن لدول المنطقة العربية...

http://www.raialyoum.com/?p=86848

http://www.alrakoba.net/articles-action-show-id-49507.htm

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق