الخميس، 11 يونيو 2015

إلى أي كتابة ننحاز ؟
سبحان الذي علم بالقلم علّم الإنسان ما لم يعلم .. والخط يبقى زمانا بعد كاتبه , وكاتب الخط تحت الأرض مدفون .. أو أدلف إلى معاني فأما الذبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض .. فما الذي يبقى منا بعد رحيلنا , هل ما كتبناه بقى بعدنا أم زال كما يزول الزبد ويذهب جفاء .. وهل ما كتبناه بقي بعدنا وفيه نفع للناس , وهل ما نكتبه فيه نفع للناس ونحن أحياء بينهم .. ونرى إشعاعه قد عمل على التغيير ..
   كان لا بد من هذه الأسئلة حتى ننحاز إلى نوع الكتابة المختار .. هل نحن مع القصدية , أن نقصد لفكرة نظل في تسلسلها حتى نصل إلى نتائج كلماتها وأقوالها .. أم أننا مع الانسيابية في الكلام دون تحديد سقف معين ..
        لا أظن الانسيابية الأسلوبية تصل إلى تحديد شئ . فإن كنا بهدف زخرف القول وتزيين الأوراق بالبديع والإنشاء وصيد الكلمات الموسيقي لنلفت الناس إلى أقوالنا واستفزاز التفاتهم إلينا فذلك يجدي للوقت الراهن دون أن يبقى شئ .. إن الموسيقى عذبة حين سماعها وفي لحظتها تفعل فينا ما تفعل .. ولمن إذا جئنا بعد وقت من سماعها لنحكي عن أثرها في دواخلنا فلن نفلح في ايصال ما أحسسنا به ونحن نندمج ونصعد مع أوتارها وسلالمها .. كذلك الأقوال الانسيابية غير المحددة لشئ معين فماذا تعطينا غير السماع والدهشة في لحظاتها ..
    من هنا تجدني أنساق وراء أن أمضي وراء الفكرة تلو الفكرة , والخاطر بعد الخاطر حتى أنتهي من المسير في دروب الكلمات المكتوبة وفي الوقت نفسه أعيش انسيابيتي مع التعابير كي أجذب من يتبع فكرتي . وأن الأفكار لكثيرة وممتدة ولا ينضب معينها طالما لدي الانسان الموهبة وعقله في حياة وتجدد ..
   وإنك إذا نظرت للوجود حولك لتجد أن النظام هو ديدن حركته , ( وكل شئ مستقر ) أو ردد الآية : ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) .. ( وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ) .. فهل نبعد عن صورة نظام الوجود فنجعل حياتنا دون نظام وكتاباتنا دون ترتيب أو خارطة كلام ؟ ..
      سبحان الذي أنزل : ( ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ) .. فماذا نسطر نحن , هل نرضى أن نكتب فقط دون أفكار ودون رؤى أو دون تخيلات .. إنني لن أتخلى عن الأفكار والرؤى والتخيلات , فأسطر كتاباتي تبعا لذلك .. وأحاول قدر جهدي تسلسلها وترتيبها بنظام لا ينفلت , كأني أحمل منجلي في المزرعة أو أقود محراثا لحرث الأرض .. إنك مع المحراث وحتى تكمل عملك لا تذهب في خطوط عشوائية , بل تقوده بترتيب , وتمضي به في نسق منظم حتى تحصل على مبتغاك في تقليب الأرض ووضع البذور .. 
    وحين نكتب يجب أن نقصد أن تكون كتاباتنا حدائق منظمة ومنسقة متبعة للأفكار الجميلة والرؤى السعيدة والتخيلات الزاهية .. وأن ننزع من خلال ما نكتب لجعل الوجود أكثر جملا وألقا يسعد الناس بقولنا ويجدوا في كلماتنا أملا وفألا حسنا .. ورجاء يشرق في أنفسهم ولا يدعهم في قنوط وإحباط واكتئاب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق